[ ص: 656 ]
306
ثم دخلت سنة ست وثلاثمائة
ذكر عزل ابن الفرات ووزارة حامد بن العباس
في هذه السنة ، في جمادى الآخرة ، قبض على الوزير أبي الحسن بن الفرات ، وكانت مدة وزارته هذه ، وهي الثانية ، سنة واحدة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما .
وكان سبب ذلك أنه أخر إطلاق أرزاق الفرسان ، واحتج عليهم بضيق الأموال ، وأنها أخرجت في محاربة ابن أبي الساج ، وأن الارتفاع نقص بأخذ يوسف أموال الري وأعمالها ، فشغب الجند شغبا عظيما ، وخرجوا إلى المصلى ، والتمس ابن الفرات من المقتدر إطلاق مائتي ألف دينار من بيت المال الخاص ليضيف إليها مائتي ألف دينار يحصلها ، ويصرف الجميع في أرزاق الجند ، فاشتد ذلك على المقتدر ، وأرسل إليه : إنك ضمنت أنك ترضي جميع الأجناد ، وتقوم بجميع النفقات الراتبة على العادة الأولى وتحمل بعد ذلك ( ما ضمنت أنك تحمله يوما بيوم ) ، فأراك تطلب من بيت المال الخاص ، فاحتج بقلة الارتفاع ، وما أخذه ابن أبي الساج ( من الارتفاع ) وما خرج على محاربته ، فلم يسمع المقتدر حجته وتنكر له عليه .
وقيل : كان سبب قبضه أن المقتدر قيل له : إن ابن الفرات يريد إرسال [ ص: 657 ] الحسين بن حمدان إلى ابن أبي الساج ليحاربه ، وإذا صار عنده اتفقا عليك ، ثم إن ابن الفرات قال للمقتدر في إرسال الحسين إلى ابن أبي الساج ، فقتل ابن حمدان في جمادى الأولى ، وقبض على ابن الفرات في جمادى الآخرة .
ثم إن بعض العمال ذكر لابن الفرات ما يتحصل من أعمال لحامد بن العباس واسط زيادة على ضمانه ، فاستكثره ، وأمره أن يكاتبه ( بذلك ، فكاتبه ) ، فخاف حامد أن يؤخذ ويطالب بذلك المال ، فكتب إلى نصر الحاجب وإلى والده المقتدر ، وضمن لهما مالا ليتحدثا له في الوزارة ، فذكر للمقتدر حاله وسعة نفسه ، وكثرة أتباعه ، وأنه له أربعمائة مملوك يحملون السلاح ، واتفق ذلك عند نفرة المقتدر عن ابن الفرات ، فأمره بالحضور من واسط ، فحضر وقبض على ابن الفرات وولده المحسن وأصحابهما وأتباعهما .
ولما وصل حامد إلى بغداذ أقام ثلاثة أيام في دار الخليفة ، فكان يتحدث مع الناس ، ويضاحكهم ، ويقوم لهم ، فبان للخدم ولأبي القاسم بن الحواري وحاشية الدار قلة معرفته بالوزارة ، وقال له حاجبه : يا مولانا ! الوزير يحتاج إلى لبسه ، وجلسه ، وعبسه ، فقال له : ( تعني أن ) تلبس ، وتقعد ، فلا تقوم لأحد ، ولا تضحك في وجه أحد ، ولا تحدث أحدا ؟ قال : نعم .
قال حامد : إن الله أعطاني وجها طلقا ، وخلقا حسنا ، وما كنت بالذي أعبس وجهي ، وأقبح خلقي لأجل الوزارة ، فعابوه عند المقتدر ، ونسبوه إلى الجهل بأمور الوزارة ، فأمر المقتدر بإطلاق علي بن عيسى من محبسه ، وجعله يتولى الدواوين شبه النائب عن حامد ، فكان يراجعه في الأمور ويصدر عن رأيه ، ثم إنه استبد بالأمر دون حامد ، ولم يبق لحامد غير اسم الوزارة ومعناها لعلي ، حتى قيل فيهما :
هذا وزير بلا سواد وذا سواد بلا وزير
ثم إن حامدا أحضر ابن الفرات ليقابله على أعماله ، ووكل بمناظرته علي بن أحمد المادرائي ليصحح عليه الأموال ، فلم يقدر على إثبات الحجة عليه ، فانتدب له حامد ، وسبه ، ونال منه ، وقام إليه فلكمه .
[ ص: 658 ] ( وكان حامد سفيها ) فقال له ابن الفرات : أنت على بساط السلطان ، وفي دار المملكة ، وليس هذا الموضع مما تعرفه من بيدر تقسمه ، أو غلة تستفضل في كيلها ، ولا هو مثل أكار تشتمه ، ثم قال لشفيع اللؤلؤي : قل لأمير المؤمنين عني إن حامدا إنما حمله على الدخول في الوزارة ، وليس من أهلها ، إنني أوجبت عليه أكثر من ألفي ألف دينار من فضل ضمانه ، وألححت في مطالبته بها ، فظن أنها تندفع عنه بدخوله في الوزارة ، ( وأنه يضيف ) إليها غيرها ، فاستشاط حامد وبالغ في شتمه ، فأنفذ المقتدر ، فأقام ابن الفرات من مجلسه ، ورده إلى محبسه ، وقال علي بن عيسى ، ونصر الحاجب لحامد : قد جنيت علينا وعلى نفسك جناية عظيمة بما فعلته بابن الفرات ، وأيقظت منه شيطانا لا ينام .
ثم إن ابن الفرات صودر على مال عظيم ، وضرب ولده المحسن وأصحابه ، وأخذ منه أموال جمة .
وفي هذه السنة عزل نزار عن شرطة بغداذ ، وجعل فيها نجح الطولوني ، وجعل في الأرباع فقهاء يكون عمل أصحاب الشرطة بفتواهم ، فضعفت هيبة السلطنة بذلك ، وطمع اللصوص والعيارون ، وكثرت الفتن ، وكبست دور التجار ، وأخذت بنات الناس في الطريق المنقطعة ، ( وكثر المفسدون ) .