كان عمرو بن المنذر اللخمي قد ترك ابنا له اسمه أسعد عند زرارة بن عدس التميمي ، فلما ترعرع مرت به ناقة سمينة فعبث بها فرمى ضرعها ، فشد عليه ربها سويد [ ص: 498 ] أحد بني عبد الله بن دارم التميمي فقتله . وهرب فلحق بمكة فحالف قريشا . وكان عمرو بن المنذر غزا قبل ذلك ومعه زرارة فأخفق ، فلما كان حيال جبلي طيء قال له زرارة : أي ملك إذا غزا لم يرجع ولم يصب ، فمل على طيء فإنك بحيالها ، فمال إليهم فأسر وقتل وغنم ، فكانت في صدور طيء على زرارة ، فلما قتل سويد أسعد ، وزرارة يومئذ عند عمرو ، قال له عمرو بن ملقط الطائي يحرض عمرا على زرارة :
من مبلغ عمرا بأن ال مرء لم يخلق صباره ها إن عجزة أمه
بالسفح أسفل من أواره فاقتل زرارة لا أرى
في القوم أوفى من زراره
فلما مات زرارة تهيأ عمرو بن عمرو في جمع وغزا طيئا فأصاب الطريفين : طريف بن مالك ، وطريف بن عمرو ، وقتل الملاقط ، فقال علقمة بن عبدة في ذلك :
ونحن جلبنا من ضرية خيلنا نجنبها حد الإكام قطاطا
أصبنا الطريف والطريف بن مالك وكان شفاء الواصبين الملاقطا
فلما بلغ عمرو بن المنذر وفاة زرارة غزا بني دارم ، وقد كان حلف ليقتلن منهم مائة ، فسار يطلبهم حتى بلغ أوارة ، وقد نذروا به فتفرقوا . فأقام مكانه وبث سراياه فيهم ، [ ص: 499 ] فأتوه بتسعة وتسعين رجلا سوى من قتلوه في غاراتهم فقتلهم ، فجاء رجل من البراجم شاعر ليمدحه فأخذه ليقتله ليتم مائة ، ثم قال : " إن الشقي وافد البراجم " ! فذهبت مثلا .
وقيل : إنه نذر أن يحرقهم فلذلك سمي محرقا ، فأحرق منهم تسعة وتسعين رجلا ، واجتاز رجل من البراجم فشم قتار اللحم فظن أن الملك يتخذ طعاما فقصده . فقال : من أنت ؟ فقال : أبيت اللعن أنا وافد البراجم . فقال : إن الشقي وافد البراجم ، ثم أمر به فقذف في النار ، فقال جرير : للفرزدق
أين الذين بنار عمرو أحرقوا أم أين أسعد فيكم المسترضع
إذا ما مات ميت من تميم فسرك أن يعيش فجئ بزاد
بخبز أو بلحم أو بتمر أو الشيء الملفق في البجاد
تراه ينقب البطحاء حولا ليأكل رأس لقمان بن عاد
قيل : دخل على الأحنف بن قيس فقال له معاوية بن أبي سفيان معاوية : ما الشيء الملفق في البجاد يا أبا بحر ؟ قال : السخينة يا أمير المؤمنين . والسخينة : طعام تعير به قريش كما كانت تعير تميم بالملفق في البجاد . قال : فلم ير متمازحان أوقر منهما .