ذكر علي بن عيسى ووزارة أبي علي بن مقلة عزل
في هذه السنة عزل علي بن عيسى عن وزارة الخليفة ، ورتب فيها أبو علي بن مقلة .
وكان سبب ذلك أن عليا لما رأى نقص الارتفاع ، واختلال الأعمال بوزارة الخاقاني والخصيبي ، وزيادة النفقات ، وأن الجند لما عادوا من الأنبار زادهم المقتدر في أرزاقهم مائتي ألف وأربعين ألف دينار في السنة ، ورأى أيضا كثرة النفقات للخدم والحرم ، لا سيما والدة المقتدر ، هاله ذلك ، وعظم عليه .
ثم إنه رأى نصرا الحاجب يقصده ، وينحرف عنه لميل مؤنس إليه ، فإن نصرا كان يخالف مؤنسا في جميع ما يشير به ، فلما تبين له ذلك استعفى من الوزارة ، واحتج [ ص: 722 ] بالشيخوخة ، وقلة النهضة ، فأمره المقتدر بالصبر ، وقال له : أنت عندي بمنزلة والدي المعتضد ، فألح عليه في الاستعفاء ، فشاور مؤنسا في ذلك ، وأعلمه أنه قد سمي للوزارة ثلاثة نفر : الذي أمه الفضل بن جعفر بن الفرات حنزانة ، وأخته زوجة المحسن بن الفرات ، وأبو علي بن مقلة ، ومحمد بن خلف النيرماني الذي كان وزير ابن أبي الساج ، فقال مؤنس : أما الفضل فقد قتلنا عمه الوزير أبا الحسن ، وابن عمه زوج أخته المحسن ابن الوزير ، وصادرنا أخته ( فلا نأمنه ، وأما ) ابن مقلة فحدث غر لا تجربة له بالوزارة ، ولا يصلح لها ، وأما محمد بن خلف فجاهل متهور لا يحسن شيئا ، والصواب مداراة علي بن عيسى .
ثم لقي مؤنس علي بن عيسى ، وسكنه ، فقال علي : لو كنت مقيما لاستعنت بك ، ولكنك سائر إلى الرقة ثم إلى الشام .
وبلغ الخبر أبا علي بن مقلة ، فجد في السعي ، وضمن على نفسه الضمانات ، وشاور المقتدر نصرا الحاجب في هؤلاء الثلاثة ، فقال : أما فلا يدفع عن صناعة الكتابة ، والمعرفة ، والكفاية ، ولكنك بالأمس قتلت عمه وابن عمه وصهره ، وصادرت أخته وأمه ، ثم إن الفضل بن الفرات بني الفرات يدينون بالرفض ، ويعرفون بولاء آل علي وولده ، وأما أبو علي بن مقلة فلا هيبة له في قلوب الناس ، ولا يرجع إلى كفاية ، ولا تجربة ، وأشار بمحمد بن خلف لمودة كانت بينهما ، فنفر المقتدر من محمد بن خلف لما علمه من جهله وتهوره ، وواصل ابن مقلة بالهدية إلى نصر الحاجب ، فأشار على المقتدر به ، فاستوزره .
وكان ابن مقلة لما قرب الهجري من الأنبار قد أنفذ صاحبا له معه خمسون طائرا ، وأمره بالمقام بالأنبار ، وإرسال الأخبار إليه وقتا بوقت ، ( ففعل ذلك ) ، فكانت [ ص: 723 ] الأخبار ترد من جهته إلى الخليفة على يد نصر الحاجب ، فقال نصر : هذا فعله فيما لا يلزمه ، فكيف يكون إذا اصطنعته ! فكان ذلك من أقوى الأسباب في وزارته .
وتقدم المقتدر في منتصف ربيع الأول بالقبض على الوزير علي بن عيسى ، وأخيه عبد الرحمن ، وخلع على ، وتولى الوزارة ، وأعانه عليها أبي علي بن مقلة أبو عبد الله البريدي لمودة كانت بينهما .