ذكر استيحاش  مؤنس  وأصحابه من  القاهر   
في هذه السنة استوحش   مؤنس المظفر  وبليق الحاجب  وولده  علي  والوزير  أبو علي بن مقلة  من  القاهر  ، وضيقوا عليه وعلى أسبابه . 
وكان سبب ذلك أن  محمد بن ياقوت  تقدم عند  القاهر  ، وعلت منزلته وصار يخلو به ويشاوره فغلظ ذلك على  ابن مقلة  لعداوة كانت بينه وبين  محمد  ، فألقى إلى  مؤنس  أن  محمدا  يسعى به عند  القاهر  ، وأن  عيسى الطبيب  يسفر بينهما في التدبير عليه ، فوجه  مؤنس  علي بن بليق  لإحضار  عيسى الطبيب  ، فوجده بين يدي  القاهر  ، فأخذه وأحضره عند  مؤنس  فسيره من ساعته إلى الموصل  ، واجتمعوا على الإيقاع  بمحمد بن ياقوت  ، وكان في الخيام ( فركب  علي بن بليق  في جنده ليكبسه ، فوجده قد اختفى ، فنهب أصحابه واستتر  محمد بن ياقوت     ) . 
ووكل  علي بن بليق  على دار الخليفة  أحمد بن زيرك  ، وأمره بالتضييق على  القاهر  ، وتفتيش كل من يدخل الدار ويخرج منها ، وأن يكشف وجوه النساء المنقبات ، وإن وجد مع أحد رقعة دفعها إلى  مؤنس  ، ففعل ذلك ، وزاد عليه ، حتى إنه حمل إلى دار الخليفة لبن ، فأدخل يده فيه لئلا يكون فيه رقعة ونقل  بليق  من كان بدار  القاهر  محبوسا إلى داره كوالدة  المقتدر  وغيرها وقطع أرزاق حاشيته . 
فأما والدة  المقتدر  فإنها كانت قد اشتدت علتها لشدة الضرب الذي ضربها  القاهر  ، فأكرمها  علي بن بليق  وتركها عند والدته ، فماتت في جمادى الآخرة وكانت مكرمة مرفهة ، ودفنت بتربتها بالرصافة    . 
 [ ص: 779 ] وضيق  علي بن بليق  على  القاهر  ، فعلم  القاهر  أن العتاب لا يفيد ، وأن ذلك برأي  مؤنس   وابن مقلة  ، فأخذ في الحيلة والتدبير على جماعتهم . 
وكان قد عرف فساد قلب  طريف السبكري  وبشرى خادم مؤنس  لبليق  وولده  علي  ، وحسدهما على مراتبهما ، فشرع في إغرائهما  ببليق  وابنه . 
وعلم أيضا أن  مؤنسا  وبليقا  أكثر اعتمادهما على الساجية أصحاب  يوسف بن أبي الساج  وغلمانه المنتقلين إليهما بعده ، وكانا قد وعدا الساجية بالموصل  مواعيد أخلفاها ، فأرسل  القاهر  إليهم يغريهم  بمؤنس  ،  وبليق  ، ويحلف لهم على الوفاء بما أخلفاهم ، فتغيرت قلوب الساجية ، ثم إنه راسل  أبا جعفر محمد بن القاسم بن عبيد الله  ، وكان من أصحاب  ابن مقلة  ، وصاحب مشورته ، ووعده الوزارة ، فكان يطالعه بالأخبار ، وبلغ  ابن مقلة  أن  القاهر  قد تغير عليه ، وأنه مجتهد في التدبير عليه وعلى  مؤنس  ،  وبليق  ، وابنه  علي  ،  والحسن بن هارون  ، فأخبرهم  ابن مقلة  بذلك . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					