وإنما سمي يوم العظالى لأن بسطام بن قيس وهانئ بن قبيصة ومفروق بن عمرو تعاظلوا على الرياسة ، وكانت بكر تحت يد كسرى وفارس ، وكانوا يقرونهم ويجهزونهم ، فأقبلوا من عند عامل عين التمر في ثلاثمائة متساندين ، وهم يتوقعون انحدار بني يربوع في الحزن ، فاجتمع بنو عتيبة وبنو عبيد وبنو زبيد في الحزن . فحلت بنو زبيد الحديقة ، وحلت بنو عتيبة وبنو عبيد روضة الثمد ، فأقبل جيش بكر حتى نزلوا هضبة الخصي ، فرأى بسطام السواد بالحديقة ، وثم غلام عرفه بسطام ، وكان قد عرف غلمان بني ثعلبة حين أسره عتبة . فسأله بسطام عن السواد الذي بالحديقة ، فقال : هم بنو زبيد . قال : كم هم من بيت ؟ قال : خمسون بيتا . قال : فأين بنو عتيبة وبنو عبيد ؟ قال : هم بروضة الثمد وسائر الناس بخفاف ، وهو موضع . فقال بسطام : أتطيعوني يا بني بكر ؟ قالوا : نعم . قال : أرى لكم أن تغنموا هذا الحي المتفرد بني زبيد وتعودوا سالمين . قالوا : وما يغني بنو زبيد عنا ؟ قال : إن في السلامة إحدى الغنيمتين . قالوا : إن عتيبة بن الحارث قد مات . وقال مفروق : قد انتفخ سحرك يا أبا الصهباء ! وقال هانئ : اخسأ ! فقال : إن أسيد بن جباة لا يفارق فرسه الشقراء ليلا [ ص: 548 ] ونهارا ، فإذا أحس بكم ركبها حتى يشرف على مليحة فينادي : يا آل ثعلبة ، فيلقاكم طعن ينسيكم الغنيمة ، ولم يبصر أحد منكم مصرع صاحبه ، وقد عصيتموني وأنا تابعكم وستعلمون .
فأغاروا على بني زبيد ، وأقبلوا نحو بني عتيبة وبني عبيد ، فأحست الشقراء فرس أسيد بوقع الحوافر فنخست بحافرها ، فركبها أسيد وتوجه نحو بني يربوع بمليحة ونادى : يا سوء صباحاه ! يا آل ثعلبة بن يربوع ! فما ارتفع الضحى حتى تلاحقوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزمت شيبان بعد أن قتلت من تميم جماعة من فرسانهم ، وقتل من شيبان أيضا وأسر جماعة ، منهم : هانئ بن قبيصة ، ففدى نفسه ونجا ، فقال متمم بن نويرة في هذا اليوم :
لعمري لنعم الحي أسمع غدوة أسيد وقد جد الصراخ المصدق وأسمع فتيانا كجنة عبقر
لهم ريق عند الطعان ومصدق أخذن بهم جنبي أفاق وبطنها
فما رجعوا حتى أرقوا وأعتقوا
وقال العوام في هذا اليوم :
قبح الإله عصابة من وائل يوم الأفاقة أسلموا بسطاما
ورأى أبو الصهباء دون سوامهم طعنا يسلي نفسه وزحاما
كنتم أسودا في الوغى فوجدتم يوم الأفاقة في الغبيط نعاما
وأكثر العوام الشعر في هذا اليوم . فلما ألح فيه أخذ بسطام إبله ، فقالت أمه :
أرى كل ذي شعر أصاب بشعره خلا أن عواما بما قال عيلا
فلا ينطقن شعرا يكون جوازه كما شعر عوام أعام وأرجلا