ذكر أبي يزيد سوسة وانهزامه منها محاصرة
لما رأى أبو يزيد ما جرى على عسكره من الهزيمة ، جد في أمره ، فجمع العساكر وسار إلى سوسة سادس جمادى الآخرة من السنة ، وبها جيش كثير للقائم ، فحصرها حصرا شديدا ، فكان يقاتلها كل يوم ، فمرة له ، ومرة عليه ، وعمل الدبابات والمنجنيقات ، فقتل من أهل سوسة خلق كثير ، وحاصرها إلى أن فوض القائم العهد إلى ولده إسماعيل المنصور في شهر رمضان ، وتوفي القائم وملك الملك ابنه المنصور على ما نذكره ، وكتم موت أبيه خوفا من أبي يزيد لقربه ، وهو على مدينة سوسة .
فلما ولي عمل المراكب ، وشحنها بالرجال ، وسيرها إلى سوسة ، واستعمل عليها رشيقا الكاتب ، ويعقوب بن إسحاق ، ووصاهما أن لا يقاتلا حتى يأمرهما ، ثم سار من الغد يريد السوسة ، ولم يعلم أصحابه ذلك ، فلما انتصف الطريق علموا فتضرعوا إليه ، وسألوه أن يعود ولا يخاطر بنفسه ، فعاد وأرسل إلى رشيق ويعقوب بالجد في القتال ، فوصلوا إلى سوسة وقد أعد أبو يزيد الحطب لإحراق السور ، وعمل دبابة عظيمة [ ص: 146 ] فوصل أسطول المنصور إلى سوسة ، واجتمعوا بمن فيها ، وخرجوا إلى قتال أبي يزيد ، فركب بنفسه ، واقتتلوا واشتدت الحرب ، وانهزم بعض أصحاب المنصور حتى دخلوا المدينة ، فألقى رشيق النار في الحطب الذي جمعه أبو يزيد ، وفي الدبابة ، فأظلم الجو بالدخان ، واشتعلت النار .
فلما رأى ذلك أبو يزيد وأصحابه خافوا ، وظنوا أن أصحابه في تلك الناحية قد هلكوا ، فلهذا تمكن أصحاب المنصور من إحراق الحطب إذ لم ير بعضهم بعضا ، فانهزم أبو يزيد وأصحابه ، وخرجت عساكر المنصور ، فوضعوا السيف فيمن تخلف من البربر ، وأحرقوا خيامه .
وجد أبو يزيد هاربا حتى دخل القيروان من يومه ، وهرب البربر على وجوههم ، فمن سلم من السيف ، مات جوعا وعطشا .
ولما وصل أبو يزيد إلى القيروان ، أراد الدخول إليها ، فمنعه أهلها ، ورجعوا إلى دار عامله فحصروه ، وأرادوا كسر الباب ، فنثر الدنانير على رءوس الناس فاشتغلوا عنه ، فخرج إلى أبي يزيد ، وأخذ أبو يزيد امرأته أم أيوب ، وتبعه أصحابه بعيالاتهم ، ورحلوا إلى ناحية سبيبة ، وهي على مسافة يومين من القيروان ، فنزلوها .