ذكر المطيع لله خلافة
لما ولي المستكفي بالله الخلافة ، خافه ; لأنه كان بينهما منازعة ، وكان كل منهما يطلب الخلافة ، وهو يسعى فيها ، فلما ولي المطيع ، وهو أبو القاسم الفضل بن المقتدر المستكفي ( خافه واستتر منه ، فطلبه المستكفي ) أشد الطلب ، فلم يظفر به ، فلما قدم معز الدولة بغداذ ، قيل : إن المطيع انتقل إليه ، واستتر عنده ، وأغراه بالمستكفي حتى قبض عليه وسمله ، فلما قبض المستكفي ، بويع للمطيع لله بالخلافة يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة ، ولقب المطيع لله ، وأحضر المستكفي عنده ، فسلم عليه بالخلافة ، وأشهد على نفسه بالخلع .
[ ص: 160 ] وازداد أمر الخلافة إدبارا ، ولم يبق لهم من الأمر شيء البتة ، وقد كانوا يراجعون ويؤخذ أمرهم فيما يفعل ، والحرمة قائمة بعض الشيء ، فلما كان أيام معز الدولة ، زال ذلك جميعه ، بحيث أن الخليفة لم يبق له وزير ، إنما كان له كاتب يدبر أقطاعه وإخراجاته لا غير ، وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من يريد .
وكان من أعظم الأسباب في ذلك أن الديلم كانوا يتشيعون ، ويغالون في التشيع ، ويعتقدون أن العباسيين قد غصبوا الخلافة وأخذوها من مستحقيها ، فلم يكن ( عندهم ) باعث ديني يحثهم على الطاعة ، حتى لقد بلغني أن معز الدولة استشار جماعة من خواص أصحابه في إخراج الخلافة من العباسيين والبيعة ، أو لغيره من للمعز لدين الله العلوي العلويين ، فكلهم أشار عليه بذلك ما عدا بعض خواصه ، فإنه قال : ليس هذا برأي فإنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة ، ولو أمرتهم بقتله لقتلوه ( مستحلين دمه ) ، ومتى أجلست بعض العلويين خليفة ، كان معك من يعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته ، فلو أمرهم بقتلك لفعلوه ، فأعرض عن ذلك ، فهذا كان من أعظم الأسباب في زوال أمرهم ونهبهم مع حب الدنيا وطلب التفرد بها .
وتسلم معز الدولة العراق بأسره ، ولم يبق بيد الخليفة منه شيء البتة ، إلا ما أقطعه معز الدولة مما يقوم ببعض حاجته .