ذكر عمران بن شاهين ، أخبار معز الدولة وانهزام عساكر
وقد ذكرنا حال بعد مسير عمران بن شاهين الصيمري عنه ، وأنه زاد قوة وجرأة ، فأنفذ معز الدولة إلى قتاله روزبهان ، وهو من أعيان عسكره ، فنازله وقاتله ، فطاوله عمران ، وتحصن منه في مضايق البطيحة ، فضجر روزبهان وأقدم عليه طالبا للمناجزة ، فاستظهر عليه عمران وهزمه وأصحابه ، وقتل منهم وغنم جميع ما معهم من السلاح وآلات الحرب ، فقوي بها ، وتضاعفت قوته ، فطمع أصحابه في السلطان ، فصاروا إذا اجتاز بهم أحد من أصحاب السلطان ، يطلبون منه البذرقة والخفارة ، فإن أعطاهم ، وإلا ضربوه واستخفوا به وشتموه .
وكان الجند لا بد لهم من العبور عليهم إلى ضياعهم ومعايشهم بالبصرة وغيرها ، ثم انقطع الطريق إلى البصرة إلا على الظهر ، فشكا الناس ذلك إلى معز الدولة ، فكتب إلى المهلبي بالمسير إلى واسط لهذا السبب ، وكان بالبصرة ، فأصعد إليها ، وأمده معز الدولة بالقواد والأجناد والسلاح ، وأطلق يده في الإنفاق ، فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران ، وسد المذاهب عليه ، فانتهى إلى المضايق لا يعرفها إلا عمران وأصحابه ، وأحب روزبهان أن يصيب المهلبي ما أصابه من الهزيمة ، ولا يستبد بالظفر والفتح ، وأشار على المهلبي بالهجوم على عمران ، فلم يقبل منه ، فكتب إلى معز الدولة يعجز المهلبي ، ويقول : إنه يطاول لينفق الأموال ويفعل ما يريد ، فكتب معز الدولة بالعتب والاستبطاء ، [ ص: 194 ] فترك المهلبي الحزم ، وما كان يريد [ أن ] يفعله ، ودخل بجميع عسكره ، وهجم على مكان عمران ، وكان قد جعل الكمناء في تلك المضايق ، وتأخر روزبهان ليسلم عند الهزيمة .
فلما تقدم المهلبي ، خرج عليه وعلى أصحابه الكمناء ، ووضعوا فيهم السلاح ، فقتلوا ، وغرقوا ، وأسروا ، وانصرف روزبهان سالما هو وأصحابه ، وألقى المهلبي نفسه في الماء فنجا سباحة ، وأسر عمران القواد والأكابر ، فاضطر معز الدولة إلى مصالحته وإطلاق من عنده من أهل عمران وإخوته ، فأطلق عمران من في أسره من أصحاب معز الدولة ، وقلده معز الدولة البطائح ، فقوي واستفحل أمره .