ذكر استيلاء الروم  على مدينة حلب    ( وعودهم عنها بغير سبب )  
في هذه السنة استولى الروم  على مدينة حلب  دون قلعتها . 
وكان سبب ذلك أن  الدمستق  سار إلى حلب  ، ولم يشعر به المسلمون ; لأنه كان قد خلف عسكره بقيسارية  ودخل بلادهم كما ذكرناه ، فلما قضى صوم النصارى ، خرج إلى عسكره من البلاد جريدة ، ولم يعلم به أحد ، وسار بهم عند وصوله ، فسبق خبره ، وكبس مدينة حلب  ، ولم يعلم به   سيف الدولة بن حمدان  ولا غيره . 
فلما بلغها وعلم  سيف الدولة  الخبر ، أعجله الأمر عن الجمع والاحتشاد ، فخرج إليه   [ ص: 238 ] فيمن معه ، فقاتله فلم يكن له قوة الصبر لقلة من معه ، فقتل أكثرهم ، ولم يبق من أولاد  داود بن حمدان  أحد ، قتلوا جميعهم ، فانهزم  سيف الدولة  في نفر يسير ، وظفر  الدمستق  بداره ، وكانت خارج مدينة حلب  ، ( تسمى الدارين    ) ، فوجد فيها  لسيف الدولة  ثلاثمائة بدرة من الدراهم ، وأخذ له ألفا وأربعمائة بغل ، ومن خزائن السلاح ما لا يحصى ، فأخذ الجميع ، وخرب الدار ، وملك الحاضر ، وحصر المدينة ، فقاتله أهلها . 
وهدم الروم  في السور ثلمة ، فقاتلهم أهل حلب  عليها ، فقتل من الروم  كثير ، ودفعوهم عنها ، فلما جنهم الليل عمروها ، فلما رأى الروم  ذلك ، تأخروا إلى جبل جوشن    . 
ثم إن رجالة الشرطة بحلب  قصدوا منازل الناس ، وخانات التجار لينهبوها ، فلحق الناس أموالهم ليمنعوها ، فخلا السور منهم ، فلما رأى الروم  السور خاليا من الناس ، قصدوه وقربوا منه ، فلم يمنعهم أحد ، فصعدوا إلى أعلاه ، فرأوا الفتنة قائمة في البلد بين أهله ، فنزلوا وفتحوا الأبواب ، ودخلوا البلد بالسيف يقتلون من وجدوا ، ولم يرفعوا السيف إلى أن تعبوا وضجروا . 
وكان في حلب  ألف وأربعمائة من الأسارى ، فتخلصوا ، وأخذوا السلاح وقتلوا الناس ، وسبي من البلد بضعة عشر ألف صبي وصبية ، وغنموا ما لا يوصف كثرة ، فلما لم يبق مع الروم  ما يحملون عليه الغنيمة أمر  الدمستق  بإحراق الباقي ، وأحرق المساجد ، وكان قد بذل لأهل البلد الأمان على أن يسلموا إليه ثلاثة آلاف صبي وصبية ( ومالا ذكره ) ، وينصرف عنهم ، فلم يجيبوه إلى ذلك ، فملكهم كما ذكرنا ، وكان عدة عسكره مائتي ألف رجل ، منهم ثلاثون ألف رجل بالجواشن  ، وثلاثون ألفا للهدم ، وإصلاح الطرق من الثلج ، وأربعة آلاف بغل يحمل الحسك الحديد . 
ولما دخل الروم  البلد ، قصد الناس القلعة ، فمن دخلها نجا بحشاشة نفسه ، وأقام  الدمستق  تسعة أيام ، وأراد الانصراف عن البلد بما غنم ، فقال له ابن أخت الملك ، وكان معه : هذا البلد قد حصل في أيدينا ، وليس من ( يدفعنا عنه ) ، فلأي سبب ننصرف عنه ؟ فقال  الدمستق     : قد بلغنا ما لم يكن الملك يؤمله ، وغنمنا وقتلنا ، وخربنا وأحرقنا ، وخلصنا أسرانا ، وبلغنا ما لم يسمع بمثله ، فتراجعا الكلام إلى أن قال له   [ ص: 239 ] الدمستق     : انزل على القلعة فحاصرها ، فإنني مقيم بعسكري على باب المدينة ، فتقدم ابن أخت الملك إلى القلعة ، ومعه سيف وترس ، وتبعه الروم  ، فلما قرب من باب القلعة ، ألقي عليه حجر فسقط ، ورمي بخشب فقتل ، فأخذه أصحابه وعادوا إلى  الدمستق  ، فلما رآه قتيلا ، قتل من معه من أسرى المسلمين ، وكانوا ألفا ومائتي رجل ، وعاد إلى بلاده ، ولم يعرض لسواد حلب  ، وأمر أهله بالزراعة والعمارة ليعود إليهم بزعمه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					