ذكر الهند إلى بلاد الإسلام وما كان منهم مع سبكتكين مسير
لما فرغ سبكتكين من بست وقصدار غزا الهند ، فافتتح قلاعا حصينة على شواهق الجبال ، وعاد سالما ظافرا .
ولما رأى جيبال ملك الهند ما دهاه ، وأن بلاده تملك من أطرافها ، أخذه ما قدم وحدث ، فحشد وجمع واستكثر من الفيول ، وسار حتى اتصل بولاية سبكتكين ، وقد باض الشيطان في رأسه وفرخ ، فسار سبكتكين عن غزنة إليه ومعه عساكره ( وخلق كثير من المتطوعة ، فالتقوا واقتتلوا أياما كثيرة ، وصبر الفريقان ) .
( وكان بالقرب منهم ) عقبة غورك ، وفيها عين ماء لا تقبل نجسا ولا قذرا ، وإذا ألقي بها شيء من ذلك اكفهرت السماء وهبت الرياح ، وكثر الرعد والبرق والأمطار ولا تزال كذلك إلى أن تطهر من الذي ألقي فيها فأمر سبكتكين بإلقاء نجاسة في تلك العين ، فجاء الغيم والرعد والبرق ، وقامت القيامة على الهنود لأنهم رأوا ما لم يروا مثله ، وتوالت عليهم الصواعق والأمطار ، واشتد البرد ، حتى هلكوا ، وعميت عليهم المذاهب ، واستسلموا لشدة ما عاينوه .
وأرسل ملك الهند إلى سبكتكين يطلب الصلح ، وترددت الرسل فأجابهم إليه بعد امتناع من ولده محمود ، على مال يؤديه ، وبلاد يسلمها ، وخمسين فيلا يحملها إليه ، فاستقر ذلك ، ورهن عنده جماعة من أهله ( على تسليم البلاد ) ، وسير معه سبكتكين من يتسلمها ، فإن المال والفيلة كانت معجلة ، فلما أبعد جيبال ملك الهند قبض على من معه من المسلمين وجعلهم عنده عوضا عن رهائنه .
فلما سمع سبكتكين بذلك جمع العساكر وسار نحو الهند ، فأخرب كل ما مر عليه من بلادهم ، وقصد لمغان ، وهي من أحصن قلاعهم ، فافتتحها عنوة وهدم بيوت [ ص: 356 ] الأصنام ، وأقام فيها شعار الإسلام ، وسار عنها يفتح البلاد ويقتل أهلها فلما بلغ ما أراده عاد إلى غزنة .
فلما بلغ الخبر إلى جيبال سقط في يده ، وجمع العساكر وسار في مائة ألف مقاتل ، فلقيه سبكتكين ، وأمر أصحابه أن يتناوبوا القتال مع الهنود ففعلوا ذلك فضجر الهنود من دوام القتال معهم ، وحملوا حملة واحدة ، فعند ذلك اشتد الأمر وعظم الخطب ، وحمل أيضا المسلمون جميعهم ، واختلط بعضهم ببعض ، فانهزم الهنود ، وأخذهم السيف من كل جانب ، وأسر منهم ما لا يعد وغنم أموالهم وأثقالهم ودوابهم الكثيرة .
وذل الهنود بعد هذه الوقعة ، ولم يكن لهم بعدها راية ، ورضوا بأن لا يطلبوا في أقاصي بلادهم ، ولما قوي سبكتكين ، بعد هذه الوقعة ، أطاعه الأفغانية والخلج وصاروا في طاعته .