ذكر فخر الدولة إلى العراق وما كان منه مسير
وفي هذه السنة سار فخر الدولة بن ركن الدولة من الري إلى همذان عازما على قصد العراق والاستيلاء عليها .
وكان سبب حركته أن كان يحب الصاحب بن عباد العراق لا سيما بغداذ ، ويؤثر [ ص: 429 ] التقدم بها ويرصد أوقات الفرصة ، فلما توفي شرف الدولة علم أن الفرصة قد أمكنت ، فوضع على فخر الدولة من يعظم عنده ملك العراق ويسهل أمره عليه ، ولم يباشر على ذلك خوفا من خطر العاقبة ، إلى أن قال له فخر الدولة : ما عندك في هذا الأمر ؟ فأحال على أن سعادته تسهل كل صعب ، وعظم البلاد . فتجهز وسار إلى همذان ، وأتاه بدر بن حسنويه ، وقصده دبيس بن عفيف الأسدي ، فاستقر الأمر على أن يسير الصاحب بن عباد وبدر إلى العراق على الجادة ، ويسير فخر الدولة على خوزستان ، فلما سار الصاحب حذر فخر الدولة من ناحيته وقيل له : ربما استماله أولاد عضد الدولة . فاستعاده إليه ، وأخذه معه إلى الأهواز فملكها وأساء السيرة مع جندها وضيق عليهم ، ولم يبذل المال فخابت ظنون الناس فيه ، واستشعر منه أيضا عسكره وقالوا : هكذا يفعل بنا إذا تمكن من إرادته فتخاذلوا .
وكان الصاحب قد أمسك نفسه تأثرا بما قيل عنه من اتهامه ، فالأمور بسكوته غير مستقيمة ، فلما سمع بهاء الدولة بوصولهم إلى الأهواز سير إليهم العساكر ، والتقوا هم وعساكر فخر الدولة .
فاتفق أن دجلة الأهواز زادت الوقت زيادة عظيمة ، وانفتحت البثوق منها فظنها عسكر فخر الدولة مكيدة فانهزموا ، فقلق فخر الدولة من ذلك ، وكان قد استبد برأيه ، فعاد حينئذ إلى رأي الصاحب ، فأشار لبذل المال واستصلاح الجند وقال له : إن الرأي في مثل هذه الأوقات إخراج المال ، وترك مضايقة الجند ، فإن أطلقت المال ضمنت لك حصول أضعافه بعد سنة . فلم يفعل ذلك ، وتفرق عنه كثير من عسكر الأهواز ، واتسع الخرق عليه وضاقت الأمور به ، فعاد إلى الري وقبض في طريقه على جماعة من القواد الرازيين وملك أصحاب بهاء الدولة الأهواز .