ذكر القادر بالله خلافة
لما قبض على الطائع لله ذكر بهاء الدولة من يصلح للخلافة ، فاتفقوا على وهو القادر بالله أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد ، وأمه أم ولد اسمها دمنة ، وقيل تمنى ، وكان بالبطيحة ، كما ذكرناه ، فأرسل إليه بهاء الدولة خواص أصحابه ليحضروه إلى بغداذ ليتولى الخلافة ، فانحدروا إليه ، وشغب الديلم ببغداذ ، ومنعوا من الخطبة ، فقيل على المنبر : اللهم أصلح عبدك وخليفتك ، ولم يذكروا اسمه ، وأرضاهم القادر بالله بهاء الدولة .
[ ص: 444 ] ولما وصل الرسل إلى كان تلك الساعة يحكي مناما رآه تلك الليلة ، وهو ما حكاه القادر بالله هبة الله بن عيسى كاتب مهذب الدولة قال : كنت أحضر عند كل أسبوع مرتين ، فكان يكرمني ، فدخلت عليه يوما فوجدته قد تأهب تأهبا لم تجر به عادته ، ولم أر منه مما ألفته من إكرامه ، واختلفت بي الظنون فسألته عن سبب ذلك ، فإن كان لزلة مني اعتذرت عن نفسي . فقال : بل رأيت البارحة في منامي كأن نهركم هذا ، نهر القادر بالله الصليق ، قد اتسع ، فصار مثل دجلة ، دفعات ، فسرت على حافته متعجبا منه ، ورأيت قنطرة عظيمة ، فقلت : من قد حدث نفسه بعمل هذه القنطرة على هذا البحر العظيم ؟ ثم صعدتها ، وهي محكمة ، فبينما أنا عليها أتعجب منها إذ رأيت شخصا قد تأملني من ذلك الجانب ، فقال : أتريد أن تعبر ؟ قلت : نعم فمد يده حتى وصلت إلي ، فأخذني وعبرني ، فهالني وتعاظمني فعله ، قلت : من أنت ؟ قال : ، هذا الأمر صائر إليك ، ويطول عمرك فيه ، فأحسن إلى ولدي ، وشيعتي . علي بن أبي طالب
فما انتهى القادر إلى هذا القول حتى سمعنا صياح الملاحين وغيرهم ، وسألنا عن ذلك ، وإذا هم الواردون إليه لإصعاده ليتولى الخلافة ، فخاطبته بإمرة المؤمنين وبايعته ، وقام مهذب الدولة بخدمته أحسن قيام ، وحمل إليه من المال وغيره ما يحمله كبار الملوك للخلفاء وشيعه . فسار إلى القادر بالله بغداذ ، فلما دخل جبل انحدر بهاء الدولة وأعيان الناس لاستقباله ، وساروا في خدمته ، فدخل دار الخلافة ثاني عشر رمضان ، وبايعه بهاء الدولة والناس ، وخطب له ثالث عشر رمضان ، وجدد أمر الخلافة ، وعظم ناموسها ، وسيرد من أخباره ، إن شاء الله تعالى ، ما يعلم به ذلك ، وحمل إليه بعض ما نهب من دار الخلافة ، وكانت مدة مقامه في البطيحة سنتين وأحد عشر شهرا ، ( ولم يخطب له في جميع خراسان ، كانت الخطبة فيها للطائع لله ) .