ذكر قشمير وقنوج وغيرهما غزوة
في هذه السنة غزا يمين الدولة بلاد الهند ، بعد فراغه من خوارزم ، فسار منها إلى غزنة ( ومنها إلى الهند ) عازما على غزو قشمير ، إذ كان قد استولى على بلاد الهند ما بينه وبين قشمير ، وأتاه من المتطوعة نحو عشرين ألف مقاتل من ما وراء النهر ، وغيره من البلاد ، وسار إليها من غزنة ثلاثة أشهر سيرا دائما ، وعبر نهر سيحون ، وجيلوم ، وهما نهران عميقان شديدا الجرية ، فوطئ أرض الهند ، وأتاه رسل ملوكها بالطاعة وبذل الإتاوة .
فلما بلغ درب قشمير أتاه صاحبها وأسلم على يده ، وسار بين يديه إلى مقصده ، فبلغ ماجون في العشرين من رجب ، وفتح ما حولها من الولايات الفسيحة ( والحصون المنيعة ) ، حتى بلغ حصن هودب ، وهو آخر ملوك الهند ، فنظر هودب [ ص: 613 ] من أعلى حصنه ، فرأى من العساكر ما هاله ورعبه ، وعلم أنه لا ينجيه إلا الإسلام ، فخرج في نحو عشرة آلاف ينادون بكلمة الإخلاص ، طلبا للخلاص فقبله يمين الدولة ، وسار عنه إلى قلعة كلجند ، وهو من أعيان الهند وشياطينهم ، وكان على طريقه غياض ملتفة لا يقدر السالك على قطعها إلا بمشقة ، فسير كلجند عساكره وفيوله إلى أطراف تلك الغياض يمنعون من سلوكها ، فترك يمين الدولة عليهم من يقاتلهم ، وسلك طريقا مختصرة إلى الحصن ، فلم يشعروا به إلا وهو معهم ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فلم يطيقوا الصبر على حد السيوف ، فانهزموا ، وأخذهم السيف من خلفهم ، ولقوا نهرا عميقا بين أيديهم ، فاقتحموه ، فغرق أكثرهم وكان القتلى والغرقى قريبا من خمسين ألفا ، وعمد كلجند إلى زوجته فقتلها ثم قتل نفسه بعدها ، وغنم المسلمون أمواله وملكوا حصونه .
ثم سار نحو بيت متعبد لهم ، وهو مهرة الهند ، وهو من أحصن الأبنية على نهر ، ولهم به من الأصنام كثير ، منها خمسة أصنام من الذهب الأحمر المرصع بالجواهر ، وكان فيها من الذهب ستمائة ألف وتسعون ألفا وثلاثمائة مثقال ، وكان بها من الأصنام المصوغة من النقرة نحو مائتي صنم ، فأخذ يمين الدولة ذلك جميعه ، وأحرق الباقي ، وسار نحو قنوج ، ( وصاحبها راجيال ) ، فوصل إليها في شعبان ، فرأى صاحبها قد فارقها : وعبر الماء المسمى كنك ، وهو ماء شريف عندهم يرون أنه من الجنة ، وأن من غرق نفسه فيه طهر من الآثام ، فأخذها يمين الدولة ، وأخذ قلاعها وأعمالها ، وهي سبع على الماء المذكور ، وفيها قريب من عشرة آلاف بيت صنم ، يذكرون أنها عملت من مائتي ألف سنة إلى ثلاثمائة ألف كذبا منهم وزورا ، ولما فتحها أباحها عسكره .
ثم سار إلى قلعة البراهمة ، فقاتلوه وثبتوا ، فلما عضهم السلاح علموا أنهم لا طاقة لهم ، فاستسلموا للسيف فقتلوا ، ولم ينج منهم إلا الشريد .
[ ص: 614 ] ثم سار نحو قلعة آسي ، وصاحبها جند بال ، فلما قاربها هرب جند بال ، وأخذ يمين الدولة حصنه وما فيه ، ثم سار إلى قلعة شروة ، وصاحبها جندرآي ، فلما قاربه نقل ماله وفيوله نحو جبال هناك منيعة يحتمي بها ، وعمي خبره فلم يدر أين هو ، فنازل يمين الدولة حصنه فافتتحه وغنم ما فيه ، وسار في طلب جندرآي جريدة ، ( وقد بلغه خبره ) ، فلحق به في آخر شعبان فقاتله ، فقتل أكثر جند جندرآي ، وأسر أكثر منهم ، وغنم ما معه من مال وفيل ، وهرب جندرآي في نفر من أصحابه فنجا .
وكان السبي في هذه الغزوة كثيرا حتى إن أحدهم كان يباع بأقل من عشرة دراهم ، ثم عاد إلى غزنة ظافرا ، ولما عاد من هذه الغزوة أمر ببناء جامع غزنة ، فبني بناء لم يسمع بمثله ، ووسع فيه ، وكان جامعها القديم صغيرا ، وأنفق ما غنمه في هذه الغزاة في بنائه .