ذكر يحيى وأولاد أخيه وغيرهم وقتل ابن عمار أخبار أولاد
نذكر هاهنا ما كان من أخبار أولاده ، وأولاد أخيه ، وغيرهم من العلويين ، متتابعا لئلا ينقطع الكلام ، وليأخذ بعضه ببعض .
ولما قتل يحيى بن علي رجع أبو جعفر أحمد بن أبي موسى المعروف بابن بقية ، ونجا الخادم الصقلبي ، وهما مدبرا دولة العلويين ، فأتيا مالقة ، وهي دار مملكتهم ، فخاطبا أخاه إدريس بن علي ، وكان له سبتة وطنجة ، وطلباه فأتى إلى مالقة ، وبايعاه بالخلافة على أن يجعل حسن بن يحيى المقتول مكانه بسبتة ، فأجابهما إلى ذلك ، فبايعاه ، وسار حسن بن يحيى ، ونجا إلى سبتة وطنجة ، وتلقب إدريس بالمتأيد بالله ، فبقي كذلك إلى سنة ثلاثين ، أو إحدى وثلاثين وأربعمائة .
فسير القاضي أبو القاسم بن عباد ولده إسماعيل في عسكر ليتغلب على تلك البلاد ، فأخذ قرمونة ، وأخذ أيضا أشبونة ، وإستجة ، فأرسل صاحبها إلى إدريس ، وإلى ، صاحب باديس بن حبوس صنهاجة ، فأتاه صاحب صنهاجة بنفسه ، وأمده إدريس بعسكر يقوده مدبر دولته ، فلم يجسروا على ابن بقية إسماعيل بن عباد ، فعادوا عنه ، فسار إسماعيل مجدا ليأخذ على صنهاجة الطريق ، فأدركهم وقد فارقهم عسكر إدريس قبل ذلك بساعة ، فأرسلت صنهاجة من ردهم فعادوا ، وقاتلوا إسماعيل بن عباد ، فلم يلبث أصحابه أن انهزموا وأسلموه ، فقتل وحمل رأسه إلى إدريس .
[ ص: 625 ] وكان إدريس قد أيقن بالهلاك ، وانتقل عن مالقة إلى جبل يحتمي به وهو مريض ، فلما أتاه الرأس عاش بعده يومين ، ومات وترك من الولد يحيى ، ومحمدا ، وحسنا ، وكان يحيى بن علي المقتول قد حبس ابني عمه محمدا والحسن ابني القاسم بن حمود بالجزيرة ، فلما مات إدريس أخرجهما الموكل بهما ، ودعا الناس إليهما ، فبايعهما السودان خاصة قبل الناس لميل أبيهما إليهم فملك محمد الجزيرة ، ولم يتسم بالخلافة .
وأما الحسن بن القاسم فإنه تنسك وترك الدنيا وحج ، وكان قد أقام ابن بقية يحيى بن إدريس بعد موت والده بمالقة ، فسار إليها نجا الصقلبي من سبتة هو والحسن بن يحيى ، فهرب ، ( ودخلها ابن بقية الحسن ونجا ، فاستمالا ) حتى حضر ، فقتله ابن بقية الحسن وقتل ابن عمه يحيى بن إدريس ، وبايعه الناس بالخلافة ، ولقب ، ورجع بالمستنصر بالله نجا إلى سبتة ، وترك مع الحسن المستنصر نائبا له يعرف بالشطيفي ، فبقي حسن كذلك نحوا من سنتين ، ثم مات سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ، فقيل إن زوجته ابنة عمه إدريس سمته أسفا على أخيها يحيى ، فلما مات المستنصر ، اعتقل الشطيفي ، وسار إدريس بن يحيى نجا من سبتة إلى مالقة ، ( وعزم على محو أمر العلويين ، وأن يضبط البلاد لنفسه ، وأظهر ) البربر على ذلك ، فعظم عندهم ، فقتلوه ، وقتلوا الشطيفي ) وأخرجوا ، وبايعوه بالخلافة ، وتسمى بالعالي ، وكان كثير الصدقة يتصدق كل جمعة بخمسمائة دينار ، ورد كل مطرود عن وطنه وأعاد عليهم أملاكهم . إدريس بن يحيى
وكان متأدبا ، حسن اللقاء ، له شعر جيد ، إلا أنه كان يصحب الأرذال ولا يحجب نساءه عنهم ، وكل من طلب منهم حصنا من بلاده أعطاه ، فأخذ منه صنهاجة [ ص: 626 ] عدة حصون ، وطلبوا وزيره ومدبر أمره صاحب أبيه موسى بن عفان ليقتلوه ، فسلمه إليهم فقتلوه ، وكان قد اعتقل ابني عمه محمدا والحسن ابني إدريس بن علي ( في حصن أيرش ، فلما رأى ثقته بأيرش اضطراب آرائه خالف عليه وبايعه ابن عمه محمد بن إدريس بن علي ) ، وثار بإدريس بن يحيى من عنده من السودان ، وطلبوا محمدا فجاء إليهم فسلم إليه إدريس الأمر ، وبايع له سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة ، فاعتقله محمد ، وتلقب بالمهدي ، وولى أخاه الحسن عهده ، ولقبه السامي .
وظهرت من المهدي شجاعة وجرأة ، فهابه البربر وخافوه ، فراسلوا الموكل بإدريس بن يحيى ، فأجابهم إلى إخراجه ، وأخرجه وبايع له ، وخطب له بسبتة وطنجة بالخلافة ، وبقي إلى أن توفي سنة ست وأربعين [ وأربعمائة ] .
ثم إن المهدي رأى من أخيه السامي ما أنكره ، فنفاه عنه ، فسار إلى العدوة إلى جبال غمارة ، وأهلها ينقادون للعلويين ويعظمونهم ، فبايعوه ، ثم إن البربر خاطبوا محمد بن القاسم بالجزيرة ، واجتمعوا إليه وبايعوه بالخلافة ، وتسمى بالمهدي أيضا ، فصار الأمر في غاية الأخلوقة والفضيحة ، أربعة كلهم يسمى أمير المؤمنين في رقعة من الأرض مقدارها ثلاثون فرسخا ، فرجعت البرابر عنه ، عاد إلى الجزيرة ، فمات بعد أيام ، فولي الجزيرة ابنه القاسم ، ولم يتسم بالخلافة ، وبقي محمد بن إدريس بمالقة إلى أن مات سنة خمس وأربعين [ وأربعمائة ] ، وكان المعروف بالعالي عند إدريس بن يحيى بني يفرن بتاكرنا ، فلما توفي محمد بن إدريس بن علي قصد إدريس بن يحيى مالقة فملكها ، ثم انتقلت إلى صنهاجة .