ثم إن ابن عباد سير جيشا إلى زهير العامري لأنه لم يخطب للمؤيد ، فاستنجد زهير حبوس بن ماكسن الصنهاجي صاحب غرناطة ، فسار إليه بجيشه ، فعادت عساكر ابن عباد ، ولم يكن بين العسكرين قتال ، وأقام زهير في بياسة ، وعاد حبوس إلى مالقة ، فمات في رمضان من هذه السنة ، وولي بعده ابنه باديس ، واجتمع هو وزهير ليتفقا كما كان زهير وحبوس ، فلم تستقر بينهما قاعدة ، واقتتلا ، فقتل زهير وجمع كثير من أصحابه أواخر سنة تسع وعشرين [ وأربعمائة ] .
ثم في سنة إحدى وثلاثين [ وأربعمائة ] التقى عسكر ابن عباد وعليهم ابنه إسماعيل مع وعسكر باديس بن حبوس إدريس العلوي على ما ذكرناه عند أخبار العلويين فيما تقدم ، إلا أنهم اقتتلوا قتالا شديدا ، فقتل إسماعيل ، ثم مات بعده أبوه القاضي أبو القاسم سنة ثلاث وثلاثين وولي بعده ابنه أبو عمرو عباد بن محمد ، ولقب بالمعتضد بالله فضبط ما ولي ، وأظهر موت المؤيد .
هذا قول ابن أبي الفياض في المؤيد ، وقال غيره إن المؤيد لم يظهر خبره منذ عدم من قرطبة عن دخول علي بن حمود إليها ، وقتله سليمان ، وإنما كان هذا من [ ص: 631 ] تمويهات ابن عباد وحيله ومكره ، وأعجب من اختفاء حال المؤيد ، ثم تصديق الناس ابن عباد فيما أخبر به من حياته ، أن إنسانا حضريا ظهر بعد موت المؤيد بعشرين سنة وادعى أنه ( المؤيد ، فبويع ) بالخلافة ، وخطب له على منابر جميع بلاد الأندلس في أوقات متفرقة ، وسفكت الدماء بسببه ، واجتمعت العساكر في أمره .
ولما أظهر ابن عباد موت ، واستقل بأمر هشام المؤيد إشبيلية وما انضاف إليها ، بقي كذلك إلى أن مات ( من ذبحة لحقته ) لليلتين خلتا من جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وأربعمائة ، وولي بعده ابنه أبو القاسم محمد بن عباد ابن القاضي أبي القاسم ، ولقب بالمعتمد على الله ، فاتسع ملكه ، وشمخ سلطانه ، وملك كثيرا من الأندلس ، وملك قرطبة أيضا ، وولى عليها ابنه الظافر بالله ، فبلغ خبر ملكه لها إلى يحيى بن ذي النون ، صاحب طليطلة ، فحسده عليها ، فضمن له جرير بن عكاش أن يجعل ملكها له ، وسار إلى قرطبة ، وأقام بها يسعى في ذلك وهو ينتهز الفرصة .
فاتفق أن في بعض الليالي جاء مطر عظيم ومعه ريح شديد ورعد وبرق ، فثار جرير فيمن معه ، ووصل إلى قصر الإمارة ، فلم يجد من يمانعه ، فدخل صاحب الباب إلى الظافر وأعلمه ، فخرج بمن معه من العبيد والحرس ، وكان صغير السن ، وحمل عليهم ، ودفعهم عن الباب ، ثم إنه عثر في بعض كراته فسقط ، فوثب بعض من يقاتله وقتله ، ولم يبلغ الخبر إلى الأجناد وأهل البلد إلا والقصر قد ملك ، وتلاحق بجرير أصحابه وأشياعه ، وترك الظافر ملقى على الأرض عريانا ، فمر عليه بعض أهل قرطبة ، فأبصره على تلك الحال ، فنزع رداءه وألقاه عليه ، وكان أبوه إذا ذكره يتمثل :
ولم أدر من ألقى عليه رداءه على أنه قد سل عن ماجد محض
ولم يزل المعتمد يسعى في أخذها ، حتى عاد ملكها ، وترك ولده [ ص: 632 ] فيها ، فأقام بها حتى أخذها جيش أمير المسلمين المأمون ، وقتل فيها بعد حروب كثيرة يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] . يوسف بن تاشفين
وأخذت إشبيلية من أبيه المعتمد في السنة المذكورة ، وبقي محبوسا في أغمات إلى أن مات بها ، رحمه الله ، وكان هو وأولاده جميعهم الرشيد ، والمأمون . والراضي ، والمعتمد ، وأبوه ، وجده علماء فضلاء شعراء .