[ ص: 652 ] ذكر غزوة  يمين الدولة  إلى الهند  والأفغانية  
في هذه السنة سار  يمين الدولة  إلى الهند  غازيا ، واحتشد وجمع ، واستعد وأعد أكثر مما تقدم . 
وسبب هذا الاهتمام أنه لما فتح قنوج  ، وهرب صاحبها منه ، ويلقب  رآي قنوج  ، ومعنى رآي هو لقب الملك كقيصر وكسرى ، فلما عاد إلى غزنة  أرسل بيدا  اللعين ، وهو أعظم ملوك الهند  مملكة ، وأكثرهم جيشا ، وتسمى مملكته كجوراهة  ، رسلا إلى  رآي قنوج  ، واسمه  راجيبال  ، يوبخه على انهزامه ، وإسلام بلاده للمسلمين ، وطال الكلام بينهما ، وآل أمرهما إلى الاختلاف . 
وتأهب كل واحد منهما لصاحبه ، وسار إليه ، فالتقوا واقتتلوا ، فقتل  راجيبال  ، وأتى القتل على أكثر جنوده ، فازداد  بيدا  بما اتفق له شرا وعتوا ، وبعد صيت في الهند  ، وعلوا ، وقصده بعض ملوك الهند  الذي ملك  يمين الدولة  بلاده ، وهزمه وأباد أجناده ، وصار في جملته وخدمته والتجأ إليه ، فوعده بإعادة ملكه إليه ، وحفظ ضالته عليه ، واعتذر بهجوم الشتاء وتتابع الأنداء . 
فنمت هذه الأخبار إلى  يمين الدولة  فأزعجته وتجهز للغزو ، وقصد  بيدا  ، وأخذ ملكه منه ، وسار عن غزنة  ، وابتدأ في طريقه بالأفغانية  ، وهم كفار يسكنون الجبال ، ويفسدون في الأرض ، ويقطعون الطريق بين غزنة  وبينه  ، فقصد بلادهم ، وسلك مضايقها ، وفتح مغالقها ، وخرب عامرها ، وغنم أموالهم ، وأكثر القتل فيهم والأسر ، وغنم المسلمون من أموالهم الكثير . 
ثم استقل على المسير ، وبلغ إلى مكان لم يبلغه فيما تقدم من غزواته ، وعبر نهر   [ ص: 653 ] كنك  ، ولم يعبره قبلها ، فلما جازه رأى قفلا قد بلغت عدة أحمالهم ألف عدد ، فغنمها ، وهي من العود ، والأمتعة الفائقة ، وجد به السير ، فأتاه في الطريق خبر ملك من ملوك الهند  يقال له  تروجنبال  ، قد سار من بين يديه ملتجئا إلى  بيدا  ليحتمي به عليه ، فطوى المراحل ، فلحق  تروجنبال  ومن معه ، رابع عشر شعبان وبينه وبين الهنود  نهر عميق فعبر إليهم بعض أصحابه وشغلهم بالقتال ، ثم عبر هو وباقي العسكر إليهم ، فاقتتلوا عامة نهارهم وانهزم  تروجنبال  ومن معه ، وكثر فيه القتل والأسر ، وأسلموا أموالهم وأهليهم ، فغنمها المسلمون ، وأخذوا منهم الكثير من الجواهر وأخذ ما يزيد على مائتي فيل ، وسار المسلمون يقتصون آثارهم ، وانهزم ملكهم جريحا وتحير في أمره ، وأرسل إلى  يمين الدولة  يطلب الأمان فلم يؤمنه ، ولم يقنع منه إلا الإسلام ، وقتل من عساكره ما لا يحصى . 
وسار  تروجنبال  ليلحق  ببيدا  ، فانفرد [ به ] بعض الهنود  فقتله . فلما رأى ملوك الهند  ذلك تابعوا رسلهم إلى  يمين الدولة  يبذلون له الطاعة والإتاوة ، وسار  يمين الدولة  بعد الوقعة إلى مدينة باري  ، وهي من أحصن القلاع والبلاد وأقواها ، فرآها من سكانها خالية ، وعلى عروشها خاوية ، فأمر بهدمها وتخريبها وعشر قلاع معها متناهية الحصانة ، وقتل من أهلها خلقا كثيرا ، وسار يطلب  بيدا  الملك فلحقه وقد نزل إلى جانب نهر ، وأجرى الماء من بين يديه فصار وحلا ، وترك عن يمينه وشماله طريقا يبسا يقاتل منه إذا أراد القتال ، وكان عدة من معه ستة وخمسين ألف فارس ، ومائة ألف وأربعة وثمانين ألف راجل ، وسبعمائة وستة وأربعين فيلا . فأرسل  يمين الدولة   [ ص: 654 ] طائفة من عسكره للقتال ، فأخرج إليهم  بيدا  مثلهم ، ولم يزل كل عسكر يمد أصحابه ، حتى كثر الجمعان ، واشتد الضرب والطعان ، فأدركهم الليل وحجز بينهم . 
فلما كان الغد بكر  يمين الدولة  إليهم ، فرأى الديار منهم بلاقع ، وركب كل فرقة منهم طريقا مخالفا لطريق الأخرى . ووجد خزائن الأموال والسلاح بحالها ، فغنموا الجميع ، واقتفى آثار المنهزمين ، فلحقوهم في الغياض والآجام ، وأكثروا فيهم القتل والأسر ، ونجا  بيدا  فريدا وحيدا ، وعاد  يمين الدولة  إلى غزنة  منصورا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					