[ ص: 123 ] ذكر أبي حرب بن مروان صاحب الجزيرة قتل
في هذه السنة قتل الأمير أبو حرب سليمان بن نصر الدولة بن مروان ، وكان والده قد سلم إليه الجزيرة وتلك النواحي ليقيم بها ويحفظها ، وكان شجاعا مقداما ، فاستبد بالأمر واستولى عليه ، فجرى بينه وبين الأمير موسك بن المجلي ابن زعيم الأكراد البختية ، وله حصون منيعة شرقي الجزيرة - نفرة .
ثم راسله أبو حرب واستماله ، وسعى أن يزوجه ابنة الأمير أبي طاهر البشنوي ، صاحب قلعة فنك وغيرها من الحصون ، وكان أبو طاهر هذا ابن أخت ، فلم يخالف نصر الدولة بن مروان أبو طاهر صاحب فنك أبا حرب في الذي أشار به من تزويج الأمير موسك ، فزوجه ابنته ونقلها إليه ، فاطمأن حينئذ موسك ، وسار إلى سليمان ، فغدر به وقبض عليه وحبسه .
ووصل السلطان طغرلبك إلى تلك الأعمال لما توجه إلى غزو الروم على ما ذكرناه ، فأرسل إلى يشفع في نصر الدولة موسك ، فأظهر أنه توفي ، فشق ذلك على حميه أبي طاهر البشنوي ، وأرسل إلى وابنه نصر الدولة سليمان فقال لهما : حيث أردتما قتله ، فلم جعلتما ابنتي طريقا إلى ذلك ، وقلدتموني العار ؟ وتنكر لهما وخافه أبو حرب ، فوضع عليه من سقاه سما ، فقتله .
وولي بعده ابنه عبيد الله ، فأظهر له أبو حرب المودة استصلاحا له ، وتبرؤا إليه من كل ما قيل عنه ، واستقر الأمر بينهما على الاجتماع وتجديد الأيمان ، فنزلوا من فنك ، وخرج إليهم أبو حرب من الجزيرة في نفر قليل ، فقتلوه .
وعرف والده ذلك ، فأقلقه وأزعجه ، وأرسل ابنه نصرا إلى الجزيرة ليحفظ تلك النواحي ، ويأخذ بثأر أخيه ، وسير معه جيشا كثيفا .
وكان الأمير قريش بن بدران ، صاحب الموصل ، لما سمع قتل أبي حرب انتهز الفرصة ، وسار إلى الجزيرة ليملكها ، وكاتب البختية والبشنوية ، واستمالهم ، فنزلوا إليه واجتمعوا معه على قتال نصر بن مروان ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا كثر فيه القتلى ، وصبر الفريقان ، فكانت الغلبة أخيرا لابن مروان ، وجرح قريش جراحة قوية [ ص: 124 ] بزوبين رمي به ، وعاد عنه ، وثبت أمر ابن مروان بالجزيرة ، وعاود مراسلة البشنوية والبختية ، واستمالهم لعله يجد فيهم طمعا ، فلم يطيعوه .