[ ص: 206 ]
458
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وأربعمائة .
ذكر ألب أرسلان بالسلطنة لابنه ملكشاه . عهد
في هذه السنة سار ألب أرسلان من مرو إلى رايكان ، فنزل بظاهرها ، ومعه جماعة أمراء دولته ، فأخذ عليهم العقود والمواثيق لولده ملكشاه بأنه السلطان بعده ، وأركبه ، ومشى بين يديه يحمل الغاشية .
وخلع السلطان على جميع الأمراء ، وأمرهم بالخطبة له في جميع البلاد التي يحكم عليها ، ففعل ذلك ، وأقطع البلاد ، فأقطع مازندران للأمير إينانج بيغو ، وبلخ لأخيه سليمان بن داود جغري بك ، وخوارزم لأخيه أرسلان أرغو ، ومرو لابنه الآخر أرسلان شاه ، وصغانيان وطخارستان لأخيه إلياس ، وولاية بغشور ونواحيها لمسعود بن أرتاش ، وهو من أقارب السلطان ، وولاية أسفرار لمودود بن أرتاش .
ذكر تميم على مدينة تونس . استيلاء
في هذه السنة سير تميم ، صاحب إفريقية ، عسكرا كثيفا إلى مدينة تونس ، وبها أحمد بن خراسان قد أظهر عليه الخلاف .
وسبب ذلك أن ، لما فارق المعز بن باديس ، أبا تميم القيروان والمنصورية ورحل إلى المهدية ، على ما ذكرناه ، استخلف على القيروان وعلى قابس قائد بن ميمون الصنهاجي ، وأقام بها ثلاث سنين ، ثم غلبته هوارة عليها ، فسلمها إليهم وخرج إلى المهدية ، فلما ولي الملك تميم بن المعز بعد أبيه رده إليها ، وأقام عليها إلى الآن ، ثم أظهر الخلاف على تميم والتجأ إلى طاعة ، فسير [ ص: 207 ] إليه الناصر بن علناس بن حماد تميم الآن عسكرا كثيرا ، فلما سمع بهم قائد بن ميمون علم أنه لا طاقة له بهم ، فترك القيروان وسار إلى الناصر ، فدخل عسكر تميم القيروان ، وخربوا دور القائد ، وسار العسكر إلى قابس ، وبها ابن خراسان ، فحصروه بها سنة وشهرين ، ثم أطاع ابن خراسان تميما وصالحه .
وأما قائد فإنه أقام عند الناصر ، ثم أرسل إلى أمراء العرب ، فاشترى منهم إمارة القيروان ، فأجابوه إلى ذلك ، فعاد إليها فبنى سورها وحصنها .
ذكر شرف الدولة الأنبار وهيت وغيرهما . ملك
في هذه السنة سار شرف الدولة مسلم بن قريش بن بدران ، صاحب الموصل ، إلى السلطان ألب أرسلان ، فأقطعه الأنبار ، وهيت ، وحربى ، والسن ، والبوازيج ، ووصل إلى بغداذ فخرج الوزير فخر الدولة بن جهير في الموكب ، فلقيه ، ونزل شرف الدولة بالحريم الطاهري ، وخلع عليه الخليفة .
ذكر عدة حوادث .
في ( العشر الأول ) من جمادى الأولى ظهر كوكب كبير له ذؤابة طويلة بناحية المشرق عرضها نحو ثلاث أذرع ، وهي ممتدة إلى وسط السماء ، وبقي إلى السابع والعشرين من الشهر وغاب ، ثم ظهر أيضا آخر الشهر المذكور ، عند غروب الشمس كوكب قد استدار نوره عليه كالقمر ، فارتاع الناس وانزعجوا ، ولما أظلم الليل صار له ذوائب نحو الجنوب ، وبقي عشرة أيام ثم اضمحل .
[ ص: 208 ] وفيها ، في جمادى الآخرة ، كانت بخراسان والجبال زلزلة عظيمة ، بقيت تتردد أياما ، تصدعت منها الجبال ، وأهلكت خلقا كثيرا ، وانخسف منها عدة وخرج الناس إلى الصحراء فأقاموا هناك .
( وفيها ، في جمادى الأولى ، وقع حريق بنهر معلى ، فاحترق من باب الجريد إلى آخر السوق الجديد ، من الجانبين ) .
وفيها ولدت صبية بباب الأزج ولدا برأسين ، ورقبتين ووجهين وأربع أيد على بدن واحد .
[ الوفيات ]
وفي جمادى الآخرة توفي الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ومولده سنة سبع وثمانين وثلاثمائة ، وكان إماما في الحديث والفقه على مذهب ، وله فيه مصنفات أحدها : " السنن الكبير " ، عشرة مجلدات ، وغيره من التصانيف الحسنة وكان عفيفا ، زاهدا ، ومات الشافعي بنيسابور . وفي شهر رمضان منها توفي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي ، [ ص: 209 ] ومولده سنة ثمانين وثلاثمائة ، وعنه انتشر مذهب أحمد ، رضي الله عنه ، وكان إليه قضاء الحريم ببغداذ بدار الخلافة ، وهو مصنف كتاب " الصفات " أتى فيه بكل عجيبة ، وترتيب أبوابه يدل على التجسيم المحض ، تعالى الله عن ذلك ، وكان ابن تميمي الحنبلي يقول : لقد خرئ أبو يعلى الفراء على الحنابلة خرية لا يغسلها الماء .