462
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وأربعمائة .
ذكر عدة حوادث .
في هذه السنة أقبل ملك الروم من القسطنطينية في عسكر كثيف إلى الشام ، ونزل على مدينة منبج ونهبها وقتل أهلها ، وهزم محمود بن صالح بن مرداس ، وبني كلاب ، وابن حسان الطائي ، ومن معهما من جموع العرب ، ثم إن ملك الروم ارتحل وعاد إلى بلاده ، ولم يمكنه المقام لشدة الجوع .
وفيها سار أمير الجيوش بدر من مصر في عساكر كثيرة إلى مدينة صور وحصرها ، وكان قد تغلب عليها القاضي عين الدولة بن أبي عقيل ، فلما حصره أرسل القاضي إلى الأمير قرلوا ، مقدم الأتراك المقيمين بالشام يستنجده ، فسار في اثني [ عشر ] ألف فارس ، فحصر مدينة صيدا ، وهي لأمير الجيوش بدر ، فرحل حينئذ بدر فعاد الأتراك ، فعاود بدر حصر صور برا وبحرا سنة ، وضيق على أهلها حتى أكلوا الخبز كل رطل بنصف دينار ولم يبلغ غرضه فرحل عنها .
[ ص: 218 ] وفيها صارت دار ضرب الدنانير ببغداذ في يد وكلاء الخليفة ، وسبب ذلك أن البهرج كثر في أيدي الناس على السكك السلطانية وضرب اسم ولي العهد على الدينار وسمي الأميري ومنع من التعامل بسواه .
وفيها ورد رسول صاحب مكة محمد بن أبي هاشم ، ومعه ولده ، إلى السلطان ألب أرسلان ، يخبره بإقامة الخطبة وللسلطان للخليفة القائم بأمر الله بمكة ، وإسقاط خطبة العلوي ، صاحب مصر ، وترك الأذان بحي على خير العمل فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار ، وخلعا نفيسة ، وأجرى له كل سنة عشرة آلاف دينار ، وقال : إذا فعل أمير ( المدينة مهنأ ) كذلك ، أعطيناه عشرين ألف دينار ، وكل سنة خمسة آلاف دينار .
وفيها تزوج عميد الدولة بن جهير بابنة نظام الملك بالري وعاد إلى بغداذ ، وفيها ، في شهر رمضان ، توفي تاج الملوك هزارسب بن بنكير بن عياض بأصبهان وهو عائد من عند السلطان إلى خوزستان ، وكان قد علا أمره ، وتزوج بأخت السلطان ، وبغى على ، وأغرى السلطان به ليأخذ بلاده فلما مات سار نور الدولة دبيس بن مزيد دبيس إلى السلطان ، ومعه شرف الدولة مسلم ، صاحب الموصل فخرج نظام الملك فلقيهما ، وتزوج شرف الدولة بأخت السلطان التي كانت امرأة هزارسب ، وعادا إلى بلادهما من همذان .
وفيها كان بمصر غلاء شديد ، ومجاعة عظيمة ، حتى أكل الناس بعضهم [ ص: 219 ] بعضا ، وفارقوا الديار المصرية ، فورد بغداذ منهم خلق كثير هربا من الجوع ، وورد التجار ، ومعهم ثياب صاحب مصر وآلاته ، نهبت من الجوع ، وكان فيها أشياء كثيرة نهبت من دار الخلافة وقت القبض على الطائع لله سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، ومما نهب أيضا في فتنة البساسيري وخرج من خزائنهم ثمانون ألف قطعة بلور كبار ، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم ، وأحد عشر ألف كزاغند ، وعشرون ألف سيف محلى .
وقال ابن الفضل يمدح ، ويذكر الحال بقصيدة فيها : القائم بأمر الله
قد علم المصري أن جنوده سنو يوسف منها وطاعون عمواس أقامت به حتى استراب بنفسه
، وأوجس منه خيفة أي إيجاس
في أبيات .
[ الوفيات ]
وفيها توفي أبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد الواسطي ، كان أديبا ، شاعرا ، حسن القول ، فمن قوله :
واحسرتي من قولها : خان عهودي ولها
[ ص: 220 ] وحق من صيرني وقفا عليها ولها
ما خطرت بخاطري ، إلا كستني ولها
وتوفي محمد بن أحمد أبو غالب بن بشران الواسطي الأديب ، وانتهت الرحلة إليه في الأدب وله شعر ، فمنه في الزهد :
يا شائدا للقصور كهلا أقصر ، فقصر الفتى الممات
لم يجتمع شمل أهل قصر ، إلا قصاراهم الشتات
وإنما العيش مثل ظل منتقل ما له ثبات