ثم دخلت سنة إحدى وسبعين وأربعمائة .
ذكر عزل ابن جهير من وزارة الخليفة .
في هذه السنة عزل فخر الدولة أبو نصر بن جهير من وزارة الخليفة المقتدي بأمر الله ، ووزر بعده أبو شجاع محمد بن الحسين .
وكان السبب في ذلك أن أبا نصر بن القشيري ورد إلى بغداذ ، على ما تقدم ذكره ، وجرى له الفتن مع الحنابلة ، لما ذكر مذهب الأشعرية ، ونصره ، وعاب من سواهم ، وفعلت الحنابلة ومن معهم ما ذكرناه ، نسب أصحاب نظام الملك ما جرى إلى الوزير فخر الدولة ، وإلى الخدم ، وكتب أبو الحسن محمد بن علي بن أبي الصقر الواسطي الفقيه الشافعي إلى نظام الملك :
يا  نظام الملك  قد حل ببغداذ  النظام     وابنك القاطن فيها 
مستهان مستضام     وبها أودى له قت 
لى غلام ، وغلام     والذي منهم تبقى 
سالما فيه سهام     يا قوام الدين لم يب 
ق ببغداذ  مقام     عظم الخطب وللحر 
ب اتصال ، ودوام     فمتى لم تحسم الدا 
ء أياديك الحسام     ويكف القوم في بغ 
داذ قتل ، وانتقام     فعلى مدرسة في 
ها ، ومن فيها السلام 
2     واعتصام بحريم 
لك من بعد حرام 
[ ص: 268 ] فلما سمع نظام الملك ما جرى من الفتن ، وقصد مدرسته ، والقتل بجوارها ، مع أن ابنه مؤيد الملك فيها ، عظم عليه ، فأعاد كوهرائين إلى شحنكية العراق ، وحمله رسالة إلى الخليفة المقتدي بأمر الله تتضمن الشكوى من بني جهير ، وسأل عزل فخر الدولة من الوزارة ، وأمر كوهرائين بأخذ أصحاب بني جهير ، وإيصال المكروه إليهم وإلى حواشيهم .
فسمع بنو جهير الخبر ، فسار عميد الدولة إلى المعسكر يريد نظام الملك ليستعطفه ، وتجنب الطريق ، وسلك الجبال خوفا أن يلقاه كوهرائين ويناله فيها أذى ، فلما وصل كوهرائين إلى بغداذ اجتمع بالخليفة وأبلغه رسالة نظام الملك ، فأمر فخر الدولة بلزوم منزله .
ووصل عميد الدولة إلى المعسكر السلطاني ، ولم يزل يستصلح نظام الملك حتى عاد إلى ما ألفه منه ، وزوجه بابنة بنت له ، وعاد إلى بغداذ في العشرين من جمادى الأولى ، فلم يرد الخليفة أباه إلى وزارته ، وأمرهما بملازمة منازلهما ، واستوزر أبا شجاع محمد بن الحسين .
ثم إن نظام الملك راسل الخليفة في إعادة بني جهير إلى الوزارة ، وشفع في ذلك ، فأعيد عميد الدولة إلى الوزارة ، وأذن لأبيه فخر الدولة في فتح بابه ، وكان ذلك في صفر سنة اثنتين وسبعين [ وأربعمائة ] .
ذكر استيلاء تتش على دمشق .
في هذه السنة ملك تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان دمشق .
[ ص: 269 ] وسبب ذلك أن أخاه السلطان ملكشاه أقطعه الشام ، وما يفتحه في تلك النواحي ، سنة سبعين وأربعمائة ، فأتى حلب وحصرها ، ولحق أهلها مجاعة شديدة ، وكان معه جمع كثير من التركمان ، فأنفذ إليه أقسيس ، صاحب دمشق ، يستنجده ، ويعرفه أن عساكر مصر قد حصرته بدمشق .
وكان أمير الجيوش بدر قد سير عسكرا من مصر ، ومقدمهم قائد يعرف بنصر الدولة ، فحصر دمشق ، فأرسل أقسيس إلى تاج الدولة تتش يستنصره ، فسار إلى نصرة أقسيس ، فلما سمع المصريون بقربه أجفلوا من بين يديه شبه المنهزمين ، وخرج أقسيس إليه يلتقيه عند سور البلد ، فاغتاظ منه تتش حيث لم يبعد في تلقيه ، وعاتبه على ذلك ، فاعتذر بأمور لم يقبلها تتش ، فقبض عليه في الحال ، وقتله من ساعته ، وملك البلد ، وأحسن السيرة في أهله ، وعدل فيهم .
قد ذكر ابن الهمذاني وغيره من العراقيين أن ملك تتش دمشق كان هذه السنة ، وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر الدمشقي في كتاب " تاريخ دمشق " أن ملكه إياها كان سنة اثنتين وسبعين [ وأربعمائة ] .
ذكر عدة حوادث .
في هذه السنة ولد الملك بركيارق ابن السلطان ملكشاه .
[ ص: 270 ] وفيها في المحرم ، وصل سعد الدولة كوهرائين إلى بغداذ ، وضرب الطبل على باب داره ، أوقات الصلوات ، وكان قد طلب ذلك من قبل ، فلم يجب إليه لأنه لم تجر به عادة .
[ الوفيات ]
وفيها توفي سيف الدولة أبو النجم بدر بن ورام الكردي ، الجاواني ، في شهر ربيع الأول ، ودفن بطسفونج .
وفي رجب توفي أبو علي بن البنا المقري الحنبلي ، وله مصنفات كثيرة ، وسليم الجوري بناحية جور من دجيل ، وكان زاهدا ، يعمل ، ويأكل من كسبه ، ولم يكلف أحدا حاجة ، وأقام بطنزة من ديار بكر ، وهي كثيرة الفواكه ، فلم يأكل بها فاكهة البتة .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					