وهم جماعة من المستهزئين ومن كان أشد الأذى للنبي - صلى الله عليه وسلم قريش ، فمنهم : عمه أبو لهب عبد العزى بن عبد المطلب ، كان شديدا عليه وعلى المسلمين ، عظيم التكذيب له ، دائم الأذى ، فكان يطرح العذرة والنتن على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان جاره ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أي جوار هذا يا بني عبد [ ص: 668 ] المطلب ! فرآه يوما حمزة فأخذ العذرة وطرحها على رأس أبي لهب فجعل ينفضها عن رأسه ويقول : " صاحبي أحمق ! " وأقصر عما كان يفعله ، لكنه يضع من يفعل ذلك .
ومات أبو لهب بمكة عند وصول الخبر بانهزام المشركين ببدر بمرض يعرف بالعدسة .
ومنهم : الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وهو ابن خال النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان من المستهزئين ، وكان إذا رأى فقراء المسلمين قال لأصحابه : هؤلاء ملوك الأرض الذين يرثون ملك . وكان يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم : أما كلمت اليوم من السماء يا كسرى محمد ! وما أشبه ذلك . فخرج من أهله فأصابه السموم فاسود وجهه ، فلما عاد إليهم لم يعرفوه وأغلقوا الباب دونه ، فرجع متحيرا حتى مات عطشا . وقيل : إن جبرائيل أومأ إلى السماء فأصابته الأكلة فامتلأ قيحا فمات .
ومنهم : الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم السهمي ، كان أحد المستهزئين الذين يؤذون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن الغيطلة ، وهي أمه ، وكان يأخذ حجرا يعبده ، فإذا رأى أحسن منه ترك الأول وعبد الثاني . وكان يقول : قد غر محمد أصحابه ، ووعدهم أن يحيوا بعد الموت ، والله ما يهلكنا إلا الدهر ، وفيه نزلت : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه ) ، وأكل حوتا مملوحا فلم يزل يشرب الماء حتى مات ، وقيل : أخذته الذبحة ، وقيل : امتلأ رأسه قيحا فمات .
ومنهم : الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ، وكان الوليد يكنى أبا عبد شمس ، وهو العدل ، لأنه كان عدل قريش كلها ، لأن قريشا كانت تكسو البيت جميعها [ ص: 669 ] وكان الوليد يكسوه وحده ، وهو الذي جمع قريشا وقال : إن الناس يأتونكم أيام الحج فيسألونكم عن محمد فتختلف أقوالكم فيه ، فيقول هذا : ساحر ، ويقول هذا : كاهن ، ويقول هذا : شاعر ، ويقول هذا : مجنون ، وليس يشبه واحدا مما يقولون ، ولكن أصلح ما قيل فيه ساحر ; لأنه يفرق بين المرء وأخيه وزوجته . وقال أبو جهل : لئن سب محمد آلهتنا سببنا إلهه ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) . ومات بعد الهجرة بعد ثلاثة أشهر وهو ابن خمس وتسعين سنة ، ودفن بالحجون ، وكان مر برجل من خزاعة يريش نبلا له فوطئ على سهم منها فخدشه ، ثم أومأ جبرائيل إلى ذلك الخدش بيده فانتقض ومات منه ، فأوصى إلى بنيه أن يأخذوا ديته من خزاعة ، فأعطت خزاعة ديته .
ومنهم : أمية وأبي ابنا خلف ، وكانا على شر ما عليه أحد من أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبه ، جاء أبي إليه - صلى الله عليه وسلم - بعظم فخذ ففته في يده وقال : زعمت أن ربك يحيي هذا العظم ، فنزلت : ( قال من يحيي العظام وهي رميم ) . وصنع عقبة بن أبي معيط طعاما ودعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لا أحضره حتى تشهد أن لا إله إلا الله ، ففعل ، فقام معه . فقال له أمية بن خلف : أقلت كذا وكذا ؟ فقال : إنما قلت ذلك لطعامنا ، فنزلت : ( ويوم يعض الظالم على يديه ) . وقتل أمية يوم بدر كافرا ، قتله خبيب وبلال ، وقيل : قتله رفاعة بن رافع الأنصاري . وأما أخوه أبي فقتله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ، رماه بحربة فقتله .
ومنهم : أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، وكان ممن يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعين أبا [ ص: 670 ] جهل على أذاه ، قتله حمزة يوم بدر .
ومنهم : العاص بن وائل السهمي ، والد ، وكان من المستهزئين ، وهو القائل لما مات عمرو بن العاص القاسم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم : إن محمدا أبتر لا يعيش له ولد ذكر ، فأنزل : ( إن شانئك هو الأبتر ) . فركب حمارا له فلما كان بشعب من شعاب مكة ربض به حماره ، فلدغ في رجله فانتفخت حتى صارت كعنق البعير ، فمات منها بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثاني شهر دخل المدينة وهو ابن خمس وثمانين سنة .
ومنهم : النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار ، يكنى أبا قائد ، وكان أشد قريش في تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم - والأذى له ولأصحابه . وكان ينظر في كتب الفرس ويخالط اليهود والنصارى ، وسمع بذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرب مبعثه ، فقال : إن جاءنا نذير لنكونن أهدى من إحدى الأمم ، فنزلت : ( وأقسموا بالله جهد أيمانهم ) ، الآية . وكان يقول : إنما يأتيكم محمد بأساطير الأولين ، فنزل فيه عدة آيات . أسره المقداد يوم بدر وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضرب عنقه ، فقتله صبرا بالأثيل . علي بن أبي طالب
ومنهم : أبو جهل ابن هشام المخزومي ، كان أشد الناس عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأكثرهم أذى له ولأصحابه ، واسمه عمرو ، وكنيتهأبو الحكم ، وأما أبو جهل فالمسلمون كنوه به ، وهو الذي قتل سمية أم عمار بن ياسر ، وأفعاله مشهورة ، وقتل ببدر ، قتله ابنا عفراء ، وأجهز عليه . عبد الله بن مسعود
ومنهم : نبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان ، وكانا على ما كان عليه أصحابهما من أذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والطعن عليه ، وكانا يلقيانه فيقولان له : أما وجد الله من يبعثه غيرك ؟ إن هاهنا من هو أسن منك وأيسر . فقتل منبه ، قتله علي بن أبي طالب ببدر ، وقتل [ ص: 671 ] أيضا العاص بن منبه بن الحجاج ، قتله أيضا علي ببدر ، وهو صاحب ذي الفقار ، وقيل : منبه بن الحجاج صاحبه ، وقيل : نبيه .
( نبيه بضم النون ، وفتح الباء الموحدة ) .
ومنهم : زهير بن أبي أمية أخو لأبيها ، وأمه أم سلمة ، وكان ممن يظهر تكذيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويرد ما جاء به ويطعن عليه ، إلا أنه ممن أعان على نقض الصحيفة . واختلف في موته فقيل : سار إلى عاتكة بنت عبد المطلب بدر فمرض فمات ، وقيل : أسر ببدر فأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما عاد مات بمكة ، وقيل : حضر وقعة أحد فأصابه سهم فمات منه ، وقيل : سار إلى اليمن بعد الفتح فمات هناك كافرا .
ومنهم : عقبة بن أبي معيط ، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس ، ويكنى أبا الوليد ، وكان من أشد الناس أذى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعداوة له وللمسلمين ، عمد إلى مكتل فجعل فيه عذرة وجعله على باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبصر به طليب بن عمير بن وهب بن عبد مناف بن قصي ، وأمه ، فأخذ المكتل منه وضرب به رأسه وأخذ بأذنيه ، فشكاه أروى بنت عبد المطلب عقبة إلى أمه فقال : قد صار ابنك ينصر محمدا . فقالت : ومن أولى به منا ؟ أموالنا وأنفسنا دون محمد . وأسر عقبة ببدر فقتل صبرا ، قتله عاصم بن ثابت الأنصاري ، فلما أراد قتله قال : يا محمد من للصبية ؟ قال : النار . قتل بالصفراء ، وقيل بعرق الظبية ، وصلب ، وهو أول مصلوب في الإسلام .
ومنهم : الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وكان من المستهزئين ، ويكنى أبا زمعة ، وكان وأصحابه يتغامزون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويقولون : قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على كنوز كسرى وقيصر ، ويصفرون به ويصفقون ، فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعمى ويثكل ولده ، فجلس في ظل شجرة [ ص: 672 ] فجعل جبرائيل يضرب وجهه وعينيه بورقة من ورقها وبشوكها حتى عمي ، وقيل : أومأ إلى عينيه فعمي فشغله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقتل ابنه معه ببدر كافرا ، قتله أبو دجانة ، وقتل ابن ابنه عتيب ، قتله حمزة وعلي ، اشتركا في قتله ، وقتل ابن ابنه الحارث بن زمعة بن الأسود ، قتله علي ، وقيل : هو الحارث بن الأسود ، والأول أصح ، وهو القائل :
أتبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود
ومنهم : طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، يكنى أبا الريان ، وكان ممن يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويشتمه ويسمعه ويكذبه ، وأسر ببدر ، وقتل كافرا صبرا ، قتله حمزة .
ومنهم : مالك بن الطلاطلة بن عمرو بن غبشان من المستهزئين ، وكان سفيها ، فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار جبرائيل إلى رأسه فامتلأ قيحا فمات .
ومنهم : ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب ، كان شديد العداوة ، لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب ، فإن صرعتني علمت أنك صادق ، ولم يكن يصرعه أحد ، فصرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ، ودعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام ، فقال : لا أسلم حتى تدعو هذه الشجرة . فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أقبلي ، فأقبلت تخد الأرض . فقال ركانة : ما رأيت سحرا أعظم من هذا ، مرها فلترجع ، فأمرها فعادت ، فقال : هذا سحر عظيم .
هؤلاء أشد عداوة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن عداهم من رؤساء قريش كانوا أقل عداوة من هؤلاء ، كعتبة وشيبة وغيرهما ، وكان جماعة من قريش من أشد الناس عليه فأسلموا ، تركنا ذكرهم لذلك ، منهم : ، أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية المخزومي [ ص: 673 ] أخو لأبيها ، وكانت أمه أم سلمة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاتكة بنت عبد المطلب ، وأبو سفيان بن حرب ، والد والحكم بن أبي العاص مروان ، وغيرهم ، أسلموا يوم الفتح .