484
ثم دخلت سنة أربع وثمانين وأربعمائة
ذكر الوزير أبي شجاع ووزارة عميد الدولة بن جهير عزل
في هذه السنة ، في ربيع الأول ، عزل الوزير أبو شجاع من وزارة الخليفة .
وكان سبب عزله أن إنسانا يهوديا ببغداذ يقال له أبو سعد بن سمحا كان وكيل السلطان ونظام الملك ، فلقيه إنسان يبيع الحصر ، فصفعه صفعة أزالت عمامته ، ( عن رأسه ) فأخذ الرجل ، وحمل إلى الديوان ، وسئل عن السبب في فعله ، فقال : هو وضعني على نفسه ، فسار كوهرائين ومعه ابن سمحا اليهودي إلى العسكر يشكوان ، وكانا متفقين على الشكاية من الوزير أبي شجاع .
فلما سارا خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بالغيار ، ولبس ما شرط عليهم أمير ، رضي الله عنه ، فهربوا كل مهرب ، أسلم بعضهم ، فممن أسلم المؤمنين عمر بن الخطاب أبو العلاء بن الحسن بن وهب بن موصلايا الكاتب ، وابن أخيه أبو نصر هبة الله بن الحسن بن علي صاحب الخبر ، أسلما على يدي الخليفة .
ونقل أيضا عنه إلى السلطان ونظام الملك أنه يكسر أغراضهم ويقبح أفعالهم ، حتى إنه لما ورد الخبر بفتح السلطان سمرقند قال : وما هذا مما يبشر به ، كأنه قد فتح [ ص: 339 ] بلاد الروم ، هل أتى إلا إلى قوم مسلمين موحدين ، فاستباح منهم ما لا يستباح من المشركين !
فلما وصل كوهرائين وابن سمحا إلى العسكر وشكوا من الوزير إلى السلطان ونظام الملك ، وأخبراهما بجميع ما يقول عنهما ، ويكسر من أغراضهما ، أرسلا إلى الخليفة في عزله ، فعزله ، وأمره بلزوم بيته ، وكان عزله يوم الخميس ، فلما أمر بذلك أنشد :
تولاها وليس له عدو وفارقها وليس له صديق
فلما كان الغد ، يوم الجمعة ، خرج من داره إلى الجامع راجلا ، واجتمع الخلق العظيم عليه ، فأمر أن لا يخرج من بيته ، ولما عزل استنيب في الوزارة أبو سعد بن موصلايا ، كاتب الإنشاء ، وأرسل الخليفة إلى السلطان ونظام الملك يستدعي عميد الدولة بن جهير ليستوزره ، فسير إليه ، فاستوزره في ذي الحجة من هذه السنة ، وركب إليه نظام الملك ، فهنأه بالوزارة في داره ، وأكثر الشعراء تهنئته بالعود إلى الوزارة .