ذكر المقتدي بأمر الله وفاة
في هذه السنة ، يوم السبت خامس عشر المحرم ، توفي الإمام أمير المؤمنين فجأة ، وكان قد أحضر عنده تقليد السلطان المقتدي بأمر الله أبو القاسم عبد الله بن الذخيرة بن القائم بأمر الله بركيارق ليعلم فيه ، فقرأه ، وتدبره ، وعلم فيه ، ثم قدم إليه طعام ، [ ص: 377 ] فأكل منه ، وغسل يديه ، وعنده قهرمانته شمس النهار ، فقال لها : ما هذه الأشخاص التي دخلت علي بغير إذن ؟ قالت : فالتفت فلم أر شيئا ، ورأيته قد تغيرت حالته ، واسترخت يداه ورجلاه ، وانحلت قوته ، وسقط إلى الأرض ، فظننتها غشية قد لحقته ، فحللت أزرار ثوبه ، فوجدته وقد ظهرت عليه أمارات الموت ، ومات لوقته ، قالت : فتماسكت ، وقلت لجارية عندي : ليس هذا وقت إظهار الجزع والبكاء ، فإن صحت قتلتك ، وأحضرت الوزير فأعلمته الحال ، فشرعوا في البيعة لولي العهد ، وجهزوا المقتدي ، وصلى عليه ابنه ، ودفنوه . المستظهر بالله
وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة وثمانية أشهر وسبعة أيام ، وكانت خلافته تسع عشرة سنة وثمانية أشهر غير يومين ، وأمه أم ولد أرمنية تسمى أرجوان ، وتدعى قرة العين ، أدركت خلافته ، وخلافة ابنه ، وخلافة ابن ابنه المستظهر بالله المسترشد بالله .
ووزر له فخر الدولة أبو نصر بن جهير ، ثم أبو شجاع ، ثم عميد الدولة أبو منصور بن جهير .
وقضاته : ، ثم أبو عبد الله الدامغاني أبو بكر الشامي .
وكانت أيامه كثيرة الخير ، واسعة الرزق ، وعظمت الخلافة أكثر مما كان من قبله ، وانعمرت ببغداذ عدة محال في خلافته منها : البصلية ، والقطيعة ، والحلبة ، والمقتدية ، والأجمة ، ودرب القيار ، وخربة ابن جردة ، وخربة الهراس ، والخاتونيتين .
[ ص: 378 ] وأمر بنفي المغنيات ، والمفسدات من بغداذ ، وبيع دورهن ، فنفين ، ومنع الناس أن يدخل أحد الحمام إلا بمئزر ، وقلع الهرادي ، والأبراج التي للطيور ، ومنع من اللعب بها لأجل الاطلاع على حرم الناس ، ومنع من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة ، وألزم أربابها بحفر آبار للمياه ، وأمر أن من يغسل السمك المالح يعبر إلى النجمي فيغسله هناك ، ومنع الملاحين أن يحملوا الرجال والنساء مجتمعين ، وكان قوي النفس ، عظيم الهمة من رجال بني العباس .