ذكر حمزة بن عبد المطلب إسلام
ثم إن أبا جهل مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس عند الصفا ، فآذاه وشتمه ونال منه وعاب دينه ، ومولاة لعبد الله بن جدعان في مسكن لها تسمع ذلك . ثم انصرف عنه [ ص: 679 ] فجلس في نادي قريش عند الكعبة ، فلم يلبث أن أقبل من قنصة متوشحا قوسه ، وكان إذا رجع لم يصل إلى أهله حتى يطوف حمزة بن عبد المطلب بالكعبة ، وكان يقف على أندية قريش ويسلم عليهم ويتحدث معهم ، وكان أعز قريش وأشدهم شكيمة . فلما مر بالمولاة ، وقد قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجع إلى بيته ، قالت له : يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم بن هشام ، فإنه سبه وآذاه ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد . قال : فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته ، فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة معدا لأبي جهل إذا لقيه أن يقع به ، حتى دخل المسجد ، فرآه جالسا في القوم ، فأقبل نحوه وضرب رأسه بالقوس فشجه شجة منكرة ، وقال : أتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول ؟ فاردد علي إن استطعت .
وقامت رجال بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا . وتم حمزة على إسلامه .
فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عز ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه .
واجتمع يوما أصحابه فقالوا : ما سمعت قريش القرآن يجهر لها به ، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال : أنا . فقالوا : نخشى عليك إنما نريد من له عشيرة يمنعونه . قال : إن الله سيمنعني . فغدا عليهم في الضحى ، حتى أتى ابن مسعود المقام وقريش في أنديتها ، ثم رفع صوته وقرأ سورة الرحمن ، فلما علمت قريش أنه يقرأ القرآن قاموا إليه يضربونه وهو يقرأ ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه ، فقالوا : هذا الذي خشينا عليك . فقال : ما كان أعداء الله أهون علي منهم اليوم ، ولئن شئتم لأغادينهم . قالوا : حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون .