ذكر العقبة الأولى وإسلام بيعة سعد بن معاذ
فلما أراد الله إظهار دينه وإنجاز وعده خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على القبائل كما كان يفعله ، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج ، فدعاهم إلى الله ، وعرض عليهم الإسلام ، وقد كانت يهود معهم ببلادهم ، وكان هؤلاء أهل أوثان ، فكانوا إذا كان بينهم شر تقول اليهود : إن نبيا يبعث الآن نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وثمود . فقال أولئك النفر بعضهم لبعض : هذا والله النبي الذي توعدكم به اليهود ، فأجابوه وصدقوه وقالوا له : إن بين قومنا شرا ، وعسى الله أن يجمعهم بك ، فإن اجتمعوا عليك فلا رجل أعز منك . ثم انصرفوا عنه ، وكانوا سبعة نفر من الخزرج : ، أسعد بن زرارة بن عدس أبو أمامة وعوف بن الحارث بن رفاعة ، وهو ابن عفراء ، كلاهما من بني النجار ، ورافع بن مالك بن عجلان ، وعامر بن عبد حارثة بن ثعلبة بن غنم ، كلاهما من بني زريق ، وقطبة بن عامر بن حديد بن سواد من بني سلمة - سلمة هذا بكسر اللام - وعقبة بن عامر بن نابئ من بني غنم ، وجابر بن عبد الله بن رياب من بني عبيدة .
( رياب : بكسر الراء والياء المعجمة باثنتين من تحت والياء الموحدة ) .
فلما قدموا المدينة ذكروا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة ، [ ص: 690 ] وهي العقبة الأولى ، فبايعوه بيعة النساء ، وهم : ، أسعد بن زرارة وعوف ومعاذ ابنا الحارث ، وهما ابنا عفراء ، ورافع بن مالك بن عجلان ، وذكوان بن عبد قيس من بني زريق ، بني عوف بن الخزرج ، وعبادة بن الصامت من ويزيد بن ثعلبة بن خزمة أبو عبد الرحمن من بلي حليف لهم ، وعباس بن عبادة بن نضلة من بني سالم ، وعقبة بن عامر بن نابئ ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وهؤلاء من الخزرج ، وشهدها من الأوس لبني عبد الأشهل ، أبو الهيثم بن التيهان ، حليف حليف لهم . وعويم بن ساعدة
فانصرفوا عنه ، وبعث - صلى الله عليه وسلم - معهم وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام ، فنزل مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بالمدينة على ، فخرج به أسعد بن زرارة فجلس في دار أسعد بن زرارة بني ظفر ، واجتمع عليهما رجال ممن أسلم ، فسمع به سعد بن معاذ وهما سيدا وأسيد بن حضير بني عبد الأشهل ، وكلاهما مشرك ، فقال سعد لأسيد : انطلق إلى هذين الذين أتيا دارنا فانههما ، فإنه لولا ، وهو ابن خالتي ، كفيتك ذلك ، فأخذ أسعد بن زرارة أسيد حربته ثم أقبل عليهما ، فقال : ما جاء بكما تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا عنا . فقال مصعب : أو تجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ! فقال أنصفت . ثم جلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، فقال : ما أحسن هذا وأجله ! كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين ؟ قالا : تغتسل وتطهر ثيابك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي ركعتين ، ففعل ذلك وأسلم . ثم قال لهما : إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنكما أحد من قومه ، وسأرسله إليكما ، . سعد بن معاذ
ثم انصرف إلى سعد وقومه ، فلما نظر إليه سعد قال : أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ! فقال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلمت الرجلين ، والله ما رأيت بهما بأسا ، وقد حدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى ليقتلوه ، فقام أسعد بن زرارة سعد مغضبا مبادرا لخوفه مما ذكر له ، ثم خرج إليهما ، فلما رآهما مطمئنين عرف ما أراد أسيد ، فوقف عليهما وقال : لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني . فقال له لأسعد بن زرارة مصعب : أوتقعد فتسمع فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ! فعرض عليه مصعب الإسلام ، وقرأ عليه القرآن فقال لهما : كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين ؟ فقالا له ما قالا لأسيد ، فأسلم وتطهر ، ثم عاد إلى نادي قومه ومعه ، فلما وقف عليهم قال : يا أسيد بن حضير بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري منكم ؟ قالوا : سيدنا وأفضلنا . قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا [ ص: 691 ] بالله ورسوله . قال : فوالله ما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة .
ورجع مصعب إلى منزل أسعد ، ولم يزل يدعو إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلا ما كان من بني أمية بن زيد ووائل وواقف ، فإنهم أطاعوا أبا قيس بن الأسلت ، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومضت بدر وأحد والخندق ، وعاد مصعب إلى مكة .
( أسيد : بضم الهمزة ، وفتح السين ، وحضير : بضم الحاء المهملة ، وفتح الضاد المعجمة ، وتسكين الياء تحتها نقطتان ، وفي آخره راء ) .