ذكر قتل  الأمير إياز   
في هذه السنة ، ثالث عشر جمادى الآخرة ، قتل  الأمير إياز  ، قتله  السلطان محمد     . 
وسبب ذلك أن  إياز  لما سلم السلطنة إلى  السلطان محمد  صار في جملته ، واستخلفه لنفسه ، فلما كان ثامن جمادى الآخرة عمل دعوة عظيمة في داره ، وهي دار كراهرائين  ، ودعا السلطان إليها ، وقدم له شيئا كثيرا من جملته الحبل البلخش الذي أخذ من تركة   مؤيد الملك بن نظام الملك  ، وقد تقدم ذكر ذلك ، وحضر مع السلطان   سيف الدولة صدقة بن مزيد     . 
 [ ص: 508 ] وكان من الاتفاق الرديء أن  إياز  تقدم إلى غلمانه ليلبسوا السلاح من خزانته ، ليعرضهم على السلطان ، فدخل عليهم رجل من أبهر  يتطايب معهم ، ويضحكون منه ، مع كونه يتصوف ، فقالوا له : لا بد من أن نلبسك درعا ونعرضك ، فألبسوه الدرع تحت قميصه ، وتناولوه بأيديهم ، وهو يسألهم أن يكفوا عنه ، فلم يفعلوا ، فلشدة ما فعلوا به هرب منهم ، ودخل بين خواص السلطان معتصما بهم ، فرآه السلطان مذعورا ، وعليه لباس عظيم ، فاستراب به ، فقال لغلام له بالتركية ليلمسه من غير أن يعلم أحد ، ففعل ، فرأى الدرع تحت قميصه ، فأعلم السلطان بذلك ، فاستشعر ، وقال : إذا كان صاحب العمائم قد لبسوا السلاح ، فكيف الأجناد ! وقوي استشعاره لكونه في داره ، وفي قبضته ، فنهض وفارق الدار وعاد إلى داره . 
فلما كان ثالث عشر الشهر استدعى السلطان  الأمير صدقة  ،  وإياز  ،  وجكرمش  ، وغيرهم من الأمراء ، فلما حضروا أرسل إليهم : إنه بلغنا أن  قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش  قصد ديار بكر   ليتملكها ، وسير منها إلى الجزيرة  ، وينبغي أن تجتمع آراؤهم على من يسير إليه ليمنعه ويقاتله ، فقال : الجماعة : ليس لهذا غير  الأمير إياز  ، فقال  إياز     : ينبغي أن نجتمع أنا  وسيف الدولة صدقة بن مزيد  على هذا الأمر ، والدفع لهذا القاصد ، فقيل ذلك للسلطان ، فأعاد الجواب يستدعي  إياز  ،  وصدقة  ،  والوزير سعد الملك  ليحرر الأمر في حضرته ، فنهضوا ليدخلوا إليه . 
وكان قد أعد جماعة من خواصه ليقتلوا  إياز  إذا دخل إليه ، فلما دخلوا ضرب أحدهم رأسه فأبانه . فأما  صدقة  فغطى وجهه بكمه ، وأما الوزير فإنه غشي عليه ، ولف  إياز  في مسح وألقي على الطريق عند دار المملكة ، وركب عسكر  إياز  ، فنهبوا ما قدروا عليه من داره ، فأرسل السلطان من حماها من النهب ، وتفرق أصحابه من يومهم ، وكان زوال تلك النعمة العظيمة ، والدولة الكبيرة ، في لحظة ، بسبب هزل ومزاح . فلما كان من الغد كفنه قوم من المتطوعة ، ودفنوه في المقابر المجاورة لقبر  أبي حنيفة  ، رحمه الله . 
وكان عمره قد جاوز أربعين سنة ، وهو من جملة مماليك   السلطان ملكشاه  ، ثم صار بعد موته في جملة أمير آخر ، فاتخذه ولدا ، وكان غزير المروة ، شجاعا ، حسن الرأي في الحرب . 
 [ ص: 509 ] وأما وزيره  الصفي  فإنه اختفى ، ثم أخذ وحمل إلى دار الوزير  سعد الملك  ، ثم قتل في رمضان وعمره ست وثلاثون سنة ، وكان من بيت رئاسة بهمذان    . 
				
						
						
