ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ورد إلى بغداذ إنسان من الملثمين ، ملوك الغرب ، قاصدا إلى دار الخلافة ، فأكرم ، وكان معه إنسان يقال له الفقيه ، من الملثمين أيضا ، فوعظه الفقيه في جامع القصر ، واجتمع له العالم العظيم ، وكان يعظ وهو متلثم لا يظهر منه غير عينيه ، وكان هذا الملثم قد حضر مع ابن الأفضل ، أمير الجيوش ، وقعته مع الفرنج ، وأبلى بلاء حسنا .
وكان سبب مجيئه إلى بغداذ : أن المغاربة يعتقدون في العلويين ، أصحاب مصر ، الاعتقاد القبيح ، فكانوا ، إذا أرادوا الحج ، يعدلون عن مصر وكان أمير الجيوش بدر والد الأفضل أراد إصلاحهم ، فلم يميلوا إليه ، ولا قاربوه . فأمر بقتل من ظفر به منهم ، فلما وصل ابنه الأفضل أحسن إليهم ، واستعان بمن قاربه منهم على حرب الفرنج ، وكان هذا من جملة من قاتل معه ، فلما خالط المصريين خاف العود إلى بلاده ، فقدم بغداذ ، ثم عاد إلى دمشق ، ولم يكن للمصريين حرب مع الفرنج إلا وشهدها ، فقتل في بعضها شهيدا ، وكان شجاعا فتاكا مقداما .
وفيها ، في ربيع الآخر ، ظهر كوكب في السماء له ذؤابة ، كقوس قزح ، آخذة من المغرب إلى وسط السماء ، وكان يرى قريبا من الشمس قبل ظهوره ليلا ، وبقي يظهر عدة ليال ، ثم غاب .
[ ص: 529 ] وفيها وصل ، صاحب بلاد الملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش الروم ، إلى الرها ليحصرها ، وبها الفرنج ، فراسله أصحاب جكرمش المقيمون بحران ليسلموها إليه ، فسار إليهم وتسلم البلد ، وفرح به الناس لأجل جهاد الفرنج ، فأقام بحران أياما ، ومرض مرضا شديدا ، أوجب عوده إلى ملطية ، فعاد مريضا ، وبقي أصحابه بحران .
[ الوفيات ] ، إمام أبو منصور الخياط المقري مسجد ابن جردة ، وكان خيرا صالحا . وفي هذه السنة توفي
وفيها قتل القاضي أبو العلاء صاعد بن أبي محمد النيسابوري الحنفي بجامع أصبهان ، قتله باطني .
وفيها توفي أبو الفوارس الحسين بن علي بن الحسين بن الخازن ، صاحب الخط الجيد ، وعمره سبعون سنة ، قيل إنه كتب خمسمائة ختمة .
وفيها ، في المحرم ، توفي القاضي أبو الفرج عبيد الله بن الحسن ، قاضي البصرة ، وله ثلاث وثمانون سنة ، وكان من الفقهاء الشافعية المشهورين ، تفقه على الماوردي ، وأبي إسحاق ، وأخذ النحو عن الرقي ، والدهان ، وابن برهان ، وكان عفيفا ، مقدما عند الخلفاء والسلاطين .
وفيها ، في المحرم ، توفي سهل بن أحمد بن علي الأرغياني ، أبو الفتح الحاكم ، تفقه على الجويني ، وبرز ، ثم ترك المناظرة ، وبنى رباطا ، واشتغل بالعبادة وقراءة القرآن .
[ ص: 530 ] وفيها ، في صفر ، توفي الأمير ، وله نحو ثمانين سنة ، وهو الذي كان الخليفة القائم عنده مهارش بن مجلي بالحديثة ، وكان كثير الصلاة والصوم ، يحب الخير وأهله ، ولما توفي ملك الحديثة بعده ابنه سليمان .