في هذه السنة عاد منصور بن صدقة بن مزيد إلى باب السلطان ، فتقبله وأكرمه ، وكان قد هرب ، بعد قتل والده ، إلى الآن ، والتحق أخوه بدران بن صدقة بالأمير مودود الذي أقطعه السلطان الموصل ، فأكرمه ، وأحسن صحبته .
وفيها ، في نيسان ، زادت دجلة زيادة عظيمة ، وتقطعت الطرق ، وغرقت الغلات الشتوية والصيفية ، وحدث بالعراق ، بلغت كارة الدقيق الخشكار عشرة دنانير إمامية ، وعدم الخبز رأسا ، وأكل الناس التمر والباقلاء الخضراء ، وأما أهل السواد فإنهم لم يأكلوا جميع شهر رمضان ، ونصف شوال ، سوى الحشيش والتوت . غلاء عظيم
وفيها ، في رجب ، عزل وزير الخليفة أبو المعالي هبة الله بن المطلب ، ووزر له أبو القاسم علي بن أبي نصر بن جهير .
وفيها ، في شعبان ، تزوج الخليفة ابنة المستظهر بالله ، وهي أخت السلطان ملكشاه السلطان محمد ، وكان الذي خطب النكاح ، وكان المتولي لقبول العقد القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد النيسابوري ، الحنفي نظام الملك أحمد بن نظام الملك ، [ ص: 574 ] وزير السلطان ، بوكالة من الخليفة ، وكان الصداق مائة ألف دينار ، ونثرت الجواهر والدنانير ، وكان العقدبأصبهان .
وفيها تولى مجاهد الدين بهروز شحنكية بغداذ ، وكان سبب ذلك أن السلطان محمدا كان قبض على أبي القاسم الحسين بن عبد الواحد ، صاحب المخزن ، وعلى أبي الفرج بن رئيس الرؤساء ، واعتقلهما عنده ، ثم أطلقهما الآن ، وقرر عليهما مالا يحملانه إليه ، فأرسل مجاهد الدين بهروز لقبض المال ، وأمره السلطان بعمارة دار المملكة ، ففعل ذلك ، وعمر الدار ، وأحسن إلى الناس ، فلما قدم السلطان إلى بغداذ ولاه شحنكية العراق جميعه ، وخلع على سعيد بن حميد العمري ، صاحب جيش صدقة ، وولاه الحلة السيفية ، وكان صارما ، حازما ، ذا رأي وجلد .
وفيها ، في شوال ، ملك الأمير سكمان القطبي ، صاحب خلاط ، مدينة ميافارقين بالأمان ، بعد أن حصرها وضيق على أهلها عدة شهور ، فعدمت الأقوات بها ، واشتد الجوع بأهلها فسلموها .
وفي هذه السنة ، في صفر ، قتل قاضي أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي بهمذان ، وكان قد تجرد ، في أمر الباطنية ، تجردا عظيما ، وصار يلبس درعا حذرا منهم ، ويحتاط ، ويحترز ، فقصده إنسان عجمي ، يوم جمعة ، ودخل بينه وبين أصحابه فقتله .
وقتل صاعد بن محمد بن عبد الرحمن أبو العلاء قاضي نيسابور ، يوم عيد الفطر ، قتله باطني ، وقتل الباطني ، ومولده سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ، وسمع الحديث ، وكان حنفي المذهب .
وفي هذه السنة سار قفل عظيم من دمشق إلى مصر ، فأتى الخبر إلى ملك [ ص: 575 ] الفرنج ، فسار إليه وعارضه في البر ، وأخذ كل من فيه ، ولم يسلم منهم إلا القليل ، ومن سلم أخذه العرب .
وفيها ، في فصح النصارى ، ثار جماعة من الباطنية في حصن شيزر على حين غفلة من أهله في مائة رجل ، فملكوه ، وأخرجوا من كان فيه ، وأغلقوا بابه وصعدوا إلى القلعة فملكوها ، وكان أصحابها بنو منقذ قد نزلوا منها لمشاهدة عيد النصارى ، وكانوا قد أحسنوا ، إلى هؤلاء الذين أفسدوا ، كل الإحسان ، فبادر أهل المدينة الباشورة ، فأصعدهم النساء في الحبال من الطاقات ، وصاروا معهم ، وأدركهم الأمراء بنو منقذ ، أصحاب الحصن ، فصعدوا إليهم ، فكبروا عليهم وقاتلوهم ، فانخذل الباطنية ، وأخذهم السيف من كل جانب ، فلم يفلت منهم أحد ، وقتل من كان على رأيهم في البلد .
وفيها وصل إلى المهدية ثلاثة نفر غرباء ، فكتبوا إلى أميرها يحيى بن تميم يقولون : إنهم يعملون الكيمياء ، فأحضرهم عنده ، وأمرهم أن يعملوا شيئا يراه من صناعتهم ، فقالوا : نعمل النقرة ، فأحضر لهم ما طلبوا من آلة وغيرها ، وقعد معهم هو والشريف أبو الحسن ، وقائد جيشه واسمه إبراهيم ، وكانا يختصان به ، فلما رأى الكيماوية المكان خاليا من جمع ثاروا بهم ، فضرب أحدهم يحيى بن تميم على رأسه ، فوقعت السكين في عمامته فلم تصنع شيئا ، ورفسه يحيى فألقاه على ظهره ، ودخل يحيى بابا وأغلقه على نفسه ، فضرب الثاني الشريف فقتله ، وأخذ القائد إبراهيم السيف فقاتل الكيماوية ، ووقع الصوت ، فدخل أصحاب الأمير يحيى فقتلوا [ ص: 576 ] الكيماوية ، وكان زيهم زي أهل الأندلس ، فقتل جماعة من أهل البلد على مثل زيهم ، وقيل للأمير يحيى : إن هؤلاء رآهم بعض الناس عند المقدم بن خليفة ، واتفق أن الأمير أبا الفتوح بن تميم ، أخا يحيى ، وصل تلك الساعة إلى القصر في أصحابه وقد لبسوا السلاح ، فمنع من الدخول ، فثبت عند الأمير يحيى أن ذلك بوضع منهما ، فأحضر المقدم بن خليفة ، وأمر أولاد أخيه فقتلوه قصاصا ، لأنه قتل أباهم ، وأخرج الأمير أبا الفتوح وزوجته بلارة بنت القاسم بن تميم ، وهي ابنة عمه ، ووكل بهما في قصر زياد بين المهدية وسفاقس ، فبقي هناك إلى أن مات يحيى ، وملك بعده ابنه علي سنة تسع وخمسمائة ، فسير أبا الفتوح وزوجته بلارة إلى ديار مصر في البحر ، فوصلا إلى إسكندرية ، على ما نذكره إن شاء الله .
وفيها ، في المحرم ، قتل عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد بن محمد أبو المحاسن الروياني الطبري ، الفقيه الشافعي ، مولده سنة خمس عشرة وأربعمائة ، وكان حافظا للمذهب ، ويقول : لو احترقت كتب لأمليتها من قلبي . الشافعي
[ الوفيات ]
وفيها ، في جمادى الآخرة ، توفي ، اللغوي الخطيب أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي ، الشيباني ، صاحب التصانيف المشهورة ، وله شعر ليس بالجيد .
وفيها ، في رجب ، توفي أبو هاشم زيد الحسيني ، العلوي ، رئيس همذان ، وكان نافذ الحكم ، ماضي الأمر ، وكانت مدة رئاسته لها سبعا وأربعين سنة وجده لأمه السيد ، وكان عظيم المال جدا ، فمن ذلك أنه أخذ منه الصاحب أبو القاسم بن عباد السلطان محمد في دفعة واحدة سبع مائة ألف دينار لم يبع لأجلها ملكا ولا [ ص: 577 ] استدان دينارا ، وأقام بعد ذلك بالسلطان محمد ، عدة شهور ، في جميع ما يريده ، وكان قليل المعروف .
وفيها ، في ذي الحجة ، توفي أبو الفوارس الحسن بن علي الخازن ، الكاتب المشهور بجودة الخط ، وله شعر منه :
عنت الدنيا لطالبها واستراح الزاهد الفطن عرف الدنيا ، فلم يرها
وسواه حظه الفتن كل ملك نال زخرفها
حظه مما حوى كفن يقتني مالا ، ويتركه
في كلا الحالين مفتتن أملي كوني على ثقة
من لقاء الله مرتهن أكره الدنيا ، وكيف بها
والذي تسخو به وسن لم تدم قبلي على أحد
فلماذا الهم والحزن ؟
وقيل توفي سنة تسع وأربعمائة ، وقد ذكر هناك .