ذكر نور الدين على سنجار لما ملك استيلاء قطب الدين مودود الموصل بعد أخيه كان أخوه الأكبر سيف الدين غازي نور الدين محمود بالشام ، وله حلب وحماة ، فكاتبه جماعة من الأمراء وطلبوه ، وفيمن كاتبه المقدم عبد الملك والد شمس الدين محمد ، وكان حينئذ مستحفظا بسنجار ، فأرسل إليه يستدعيه ليتسلم سنجار ، فسار جريدة في سبعين فارسا من أمراء دولته ، فوصل إلى ماكسين في نفر يسير قد سبق أصحابه .
وكان يوما شديد المطر ، فلم يعرفهم الذي يحفظ الباب ، فأخبر الشحنة أن نفرا من التركمان المتجندين قد دخلوا البلد ، فلم يستتم كلامه حتى دخل نور الدين الدار على الشحنة ، فقام إليه وقبل يده ، ولحق به باقي أصحابه ، ثم سار إلى سنجار ، [ ص: 168 ] فوصلها وليس معه غير ركابي وسلاح دار ، ونزل بظاهر البلد .
وأرسل إلى المقدم يعلمه بوصوله ، فرآه الرسول وقد سار إلى الموصل ، وترك ولده شمس الدين محمدا بالقلعة ، فأعلمه بمسير والده إلى الموصل ، وأقام من لحق أباه بالطريق ، فأعلمه بوصول نور الدين ، فعاد إلى سنجار فسلمها إليه ، فدخلها نور الدين ، وأرسل إلى فخر الدين قرا أرسلان صاحب الحصن ، يستدعيه إليه لمودة كانت بينهما ، فوصل إليه في عسكره ; فلما سمع أتابك قطب الدين ، وجمال الدين ، وزين الدين بالموصل بذلك جمعوا عساكرهم وساروا نحو سنجار ، فوصلوا إلى تل يعفر ، وترددت الرسل بينهم بعد أن كانوا عازمين على قصده بسنجار ، فقال لهم جمال الدين : ليس من الرأي محاقته وقتاله ، فإننا نحن قد عظمنا محله عند السلطان وما هو بصدده من الغزاة ، وجعلنا أنفسنا دونه ، وهو يظهر للفرنج تعظيما وأنه تبعنا ; ولا يزال يقول لهم : إن كنتم كما يجب ، وإلا سلمت البلاد إلى صاحب الموصل ، وحينئذ يفعل بكم ويصنع ، فإذا لقيناه ، فإن هزمناه طمع السلطان فينا ، ويقول : هذا الذي كانوا يعظمونه ويحتمون به أضعف منهم ، وقد هزموه ; وإن هو هزمنا طمع فيه الفرنج ، ويقولون إن الذين كان يحتمي بهم أضعف منه ، وقد هزمهم ، وبالجملة فهو ابن أتابك الكبير .
وأشار بالصلح ، وسار هو إليه فاصطلح ، وسلم سنجار إلى أخيه قطب الدين ، وسلم مدينة حمص والرحبة بأرض الشام وبقي الشام له ، وديار الجزيرة لأخيه ، واتفقا ، وعاد نور الدين إلى الشام ، وأخذ معه ما كان قد ادخره أبوه أتابك الشهيد فيها من الخزائن ، وكانت كثيرة جدا .