في هذه السنة أمر علاء الدين محمود بن مسعود الغالب على أمر طريثيث التي بيد الإسماعيلية ، بإقامة الخطبة للخليفة ، ولبس السواد ، ففعل الخطيب ذلك ، فثار به عمه وأقاربه ومن وافقهم ، وقاتلوه ، وكسروا المنبر وقتلوا الخطيب .
وكان فعل علاء الدين هذا لأن أباه كان مسلما ، فلما تغلب الإسماعيلية على طريثيث أظهر موافقتهم ، وأبطن اعتقاد الشريعة ، وكان يناظر على مذهب ، وازداد تقدما الشافعي بطريثيث ، وجرت أمورها بإرادته ; فلما حضره الموت أوصى أن يغسله فقيه شافعي ، وأوصى إلى ابنه علاء الدين إن أمكنه أن يعيد فيها إظهار شريعة الإسلام فعل . فلما رأى من نفسه قوة فعله ، فلم يتم له .
وفيها كثر المرض بالعراق لا سيما ببغداد ، وكثر الموت أيضا فيها ، ففارقها السلطان مسعود .
وفيها توفي الأمير علي بن دبيس بن صدقة صاحب الحلة بأسداباد ، واتهم طبيبه محمد بن صالح المواطأة عليه ، فمات الطبيب بعده بقريب .
وفيها استوزر عبد المؤمن صاحب بلاد المغرب أبا جعفر بن أبي أحمد الأندلسي ، وكان مأسورا عنده ، فوصف له بالعقل وجودة الكتابة ، فأخرجه من الحبس واستوزره ، وهو أول وزير كان للموحدين .
[ ص: 179 ] وفي هذه السنة ، في المحرم ، جلس يوسف الدمشقي مدرسا في النظامية ببغداد ، وكان جلوسه بغير أمر الخليفة ، فمنع ، يوم الجمعة ، من دخول الجامع ، فصلى في جامع السلطان ، ومنع من التدريس ، فتقدم السلطان مسعود إلى الشيخ أبي النجيب بأن يدرس فيها ، فامتنع بغير أمر الخليفة فاستخرج السلطان إذن الخليفة في ذلك ، فدرس منتصف المحرم من السنة .
[ الوفيات ]
وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن مهران الفقيه الشافعي ، تفقه على الهراسي ، وولي قضاء نصيبين ، ثم ترك القضاء وتزهد ، فأقام بجزيرة ابن عمر ، ثم انتقل إلى جبل ببلد الحصن ، في زاوية ، وكان له كرامات ظاهرة .
وفيها مات الحسن بن ذي النون بن أبي القاسم بن أبي الحسن الشغري أبو المفاخر النيسابوري ، سمع الحديث الكثير ، وكان فقيها أديبا دائم الأشغال ، يعظ الناس ، وكان مما ينشد :
مات الكرام وولوا وانقضوا ومضوا ومات من بعدهم تلك الكرامات وخلفوني في قوم ذوي سفه
لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا