كان السبب في وزارة الصالح أن طلائع بن رزيك عباسا ، لما قتل الظافر وأقام الفائز ، ظن أن الأمر يتم له على ما يريده ، فكان الحال خلاف ما اعتقده ، فإن الكلمة اختلفت عليه ، وثار به الجند والسودان ، وصار إذا أمر بالأمر لا يلتفت إليه ولا يسمع قوله ، فأرسل من بالقصر من النساء والخدم إلى الصالح طلائع بن زريك يستغيثون به ، وأرسلوا شعورهم طي الكتب ; وكان في منية بني حصيب واليا عليها وعلى أعمالها ، [ ص: 214 ] وليست من الأعمال الجليلة ، وإنما كانت أقرب الأعمال إليهم ، وكان فيه شهامة ، فجمع ليقصد عباسا ، وسار إليه ، فلما سمع عباس ذلك خرج من مصر نحو الشام بما معه من الأموال التي لا تحصى كثرة ، والتحف والأشياء التي لا توجد إلا هناك مما كان أخذه من القصر . فلما سار وقع به الفرنج فقتلوه وأخذوا جميع ما معه فتقووا به .
وسار الصالح فدخل القاهرة بأعلام سود وثياب سود حزنا على الظافر ، والشعور التي أرسلت إليه من القصر على رءوس رماح ، وكان هذا من الفأل العجيب ، فإن الأعلام السود العباسية دخلتها وأزالت الأعلام العلوية بعد خمس عشرة سنة .
ولما دخل الصالح القاهرة خلع عليه خلع الوزارة ، واستقر في الأمر ، وأحضر الخادم الذي شاهد قتل الظافر ، فأراه موضع دفنه ، فأخرجه ونقله إلى مقابرهم بالقصر .
ولما قتل الفرنج عباسا أسروا ابنه ، فأرسل الصالح إلى الفرنج وبذل لهم مالا وأخذه منهم ، فسار من الشام مع أصحاب الصالح ، فلم يكلم أحدا منهم كلمة إلى أن رأى القاهرة فأنشد :
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا صروف الليالي والجدود العواثر
وأدخل القصر ، فكان آخر العهد به ، فإنه قتل ، وصلب على باب زويلة ، واستقصى الصالح بيوت الكبار والأعيان بالديار المصرية فأهلك أهلها وأبعدهم عن ديارهم ، وأخذ أموالهم ، فمنهم من هلك ، ومنهم من تفرق في بلاد الحجاز واليمن وغيرهما ; فعل ذلك خوفا منهم أن يثوروا عليه وينازعوه في الوزارة ; وكان ابن منقذ قد هرب مع عباس ، فلما قتل هرب إلى الشام .