في هذه السنة عبد المؤمن ، صاحب المغرب ، إلى جبل طارق ، وهو على ساحل الخليج مما يلي الأندلس ، فعبر المجاز إليه ، وبنى عليه مدينة حصينة ، وأقام بها عدة شهور ، وعاد إلى سار مراكش .
وفيها في المحرم ، ورد نيسابور جمع كثير من تركمان بلاد فارس ومعهم أغنام كثيرة للتجارة ، فباعوها ، وأخذوا الثمن ، وساروا ونزلوا على مرحلتين من طابس كنكلي ، وناموا هناك ، فنزل إليهم الإسماعيلية ، وكبسوهم ليلا ، ووضعوا السيف فيهم ، فقتلوا وأكثروا ، ولم ينج منهم إلا الشريد ، وغنم الإسماعيلية جميع ما معهم من مال وعروض ، وعادوا إلى قلاعهم .
وفيها كثرت الأمطار في أكثر البلاد ، ولا سيما خراسان ، فإن الأمطار توالت فيها من العشرين من المحرم إلى منتصف صفر لم تنقطع ، ولا رأى الناس فيها شمسا .
وفيها كان بين الكرج وبين الملك صلتق بن علي ، صاحب أرزن الروم ، قتال وحرب انهزم فيه صلتق وعسكره ، وأسر هو ، وكانت أخته شاه بانوار قد تزوجها شاه أرمن سكمان بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط ، فأرسلت إلى ملك الكرج هدية [ ص: 290 ] جليلة المقدار ، وطلبت منه أن يفاديها بأخيها ، فأطلقه ، فعاد إلى ملكه .
وفيها قصد صاحب صيدا من الفرنج ، صاحب نور الدين محمود الشام ، ملتجئا إليه ، فأمنه وسير معه عسكرا يمنعه من الفرنج أيضا ، فظهر عليهم في الطريق كمين للفرنج ، فقتلوا من المسلمين جماعة وانهزم الباقون .
فيها ملك قرا أرسلان ، صاحب حصن كيفا ، قلعة شاتان ، وكانت لطائفة من الأكراد يقال لهم الجونية ، فلما ملكها خربها وأضاف ولايتها إلى حصن طالب .
[ الوفيات ]
وفيها الكمال حمزة بن علي بن طلحة صاحب المخزن ، كان جليل القدر أيام توفي المسترشد بالله ، وولي المقتفي ، وبنى مدرسة لأصحاب بالقرب من داره ، ثم حج وعاد وقد لبس الفوط وزي الصوفية وترك الأعمال ، فقال بعض الشعراء فيه : الشافعي
يا عضد الإسلام يا من سمت إلى العلا همته الفاخره كانت لك الدنيا ، فلم ترضها
ملكا فأخلدت إلى الآخره