ذكر ابن مردنيش غرناطة من عبد المؤمن وعودها إليه أخذ
في هذه السنة أرسل أهل غرناطة من بلاد الأندلس ، وهي لعبد المؤمن ، إلى الأمير إبراهيم بن همشك صهر ابن مردنيش . فاستدعوه إليهم ; ليسلموا إليه البلد ، وكان قد وحد ، وصار من أصحاب عبد المؤمن ، وفي طاعته ، وممن يحرضه على قصد ابن مردنيش . ففارق طاعة عبد المؤمن ، وعاد إلى موافقة ابن مردنيش ، فلما وصل إليه رسل أهل غرناطة سار معهم إليها ، فدخلها وبها جمع من أصحاب عبد المؤمن ، فامتنعوا بحصنها ، فبلغ الخبر أبا سعيد عثمان بن عبد المؤمن وهو بمدينة مالقة ، فجمع الجيش الذي كان عنده وتوجه إلى غرناطة لنصرة من فيها من أصحابهم ، فعلم بذلك إبراهيم بن همشك ، فاستنجد ابن مردنيش ، ملك البلاد بشرق الأندلس ، فأرسل إليه ألفي فارس من أنجاد أصحابه ومن الفرنج الذين جندهم معه ، فاجتمعوا بضواحي غرناطة ، فالتقوا هم ومن بغرناطة من عسكر عبد المؤمن قبل وصول أبي سعيد إليهم ، فاشتد القتال بينهم ، فانهزم عسكر عبد المؤمن ، وقدم أبو سعيد ، واقتتلوا أيضا ، فانهزم كثير من أصحابه ، وثبت معه طائفة من الأعيان والفرسان المشهورين ، والرجالة الأجلاد ، حتى قتلوا عن آخرهم وانهزم حينئذ أبو سعيد ولحق بمالقة .
وسمع عبد المؤمن الخبر ، وكان قد سار إلى مدينة سلا ، فسير إليهم في الحال ابنه أبا يعقوب يوسف في عشرين ألف مقاتل ، فيهم جماعة من شيوخ الموحدين ، فجدوا المسير ، فبلغ ذلك ابن مردنيش ، فسار بنفسه وجيشه إلى غرناطة ليعين ابن همشك ، فاجتمع منهم بغرناطة جمع كثير ، فنزل ابن مردنيش في الشريعة بظاهرها ، ونزل العسكر الذي كان أمد به ابن همشك أولا ، وهم ألفا فارس ، بظاهر القلعة [ ص: 293 ] الحمراء ، ونزل ابن همشك بباطن القلعة الحمراء فيمن معه ، ووصل عسكر عبد المؤمن إلى جبل قريب من غرناطة ، فأقاموا في سفحه أياما ثم سيروا أربعة آلاف فارس ، فبيتوا العسكر الذي بظاهر القلعة الحمراء ، وقاتلوهم من جهاتهم ، فما لحقوا يركبون ، فقتلوهم عن آخرهم .
وأقبل عسكر عبد المؤمن بجملته ، فنزلوا بضواحي غرناطة ، فعلم ابن مردنيش وابن همشك أنهم لا طاقة لهم بهم ، ففروا في الليلة الثانية ، ولحقوا ببلادهم ، واستولى الموحدون على غرناطة في باقي السنة المذكورة ، وعاد عبد المؤمن من مدينة سلا إلى مراكش .