في هذه السنة ، في صفر ، وقع بأصفهان وبين القاضي صدر الدين عبد اللطيف بن الخجندي وغيره من أصحاب المذاهب ، بسبب التعصب للمذاهب ، فدام القتال بين الطائفتين ثمانية أيام متتابعة قتل فيها خلق كثير ، واحترق وهدم كثير من الدور والأسواق ، ثم افترقوا على أقبح صورة . فتنة عظيمة بين
وفيها بنى الإسماعيلية قلعة بالقرب من قزوين ، فقيل لشمس الدين إيلدكز عنها ، فلم يكن له إنكار لهذه الحال خوفا من شرهم وغائلتهم ، فتقدموا بعد ذلك إلى قزوين ، فحصروها ، وقاتلهم أهلها أشد قتال رآه الناس .
وحكى لي بعض أصدقائنا بل مشايخنا من الأئمة الفضلاء ، قال : كنت بقزوين أشتغل بالعلم ، وكان بها إنسان يقود جمعا كبيرا ، وكان موصوفا بالشجاعة ، وله عصابة حمراء ، إذا قاتل عصب بها رأسه ، قال : فكنت أحبه وأشتهي الجلوس معه ، قال : فبينما أنا عنده يوما إذا هو يقول : كأني بالملاحدة وقد قصدوا البلد غدا ، فخرجنا إليهم وقاتلناهم ، فكنت أول الناس وأنا متعصب بهذه العصابة ، فقتلناهم ، فلم يقتل غيري ، ثم ترجع الملاحدة ، ويرجع أهل البلد .
قال : فو الله لما كان الغد إذ قد وقع الصوت بوصول الملاحدة ، فخرج الناس ، قال : فذكرت قول الرجل ، فخرجت والله وليس لي همة إلا [ أن ] أنظر هل يصح ما قال أم لا ؟ قال : فلم يكن إلا قليل حتى عاد الناس وهو محمول على أيديهم قتيلا بعصابته الحمراء ، وذكروا أنه لم يقتل بينهم غيره ، فبقيت متعجبا من قوله كيف صح ، ولم يتغير منه شيء ، ومن أين له هذا اليقين ؟
ولما حكى لي هذه الحكاية لم أسأله عن تاريخها ، وإنما كان في هذه المدة في تلك البلاد ، فلهذا أثبتها هذه السنة على الظن والتخمين .
وفيها قبض المؤيد أي أبه ، صاحب نيسابور ، على وزيره ضياء الملك محمد بن [ ص: 323 ] أبي طالب سعد بن أبي القاسم محمود الرازي وحبسه ، واستوزر بعده نصير الدين أبا بكر محمد بن أبي نصر محمد المستوفي ، وكان أيام السلطان سنجر يتولى إشراف ديوانه ، وهو من أعيان الدولة السنجرية .
وفي هذه السنة وردت الأخبار أن الناس حجوا سنة تسع وخمسين ، ولقوا شدة ، وانقطع منهم خلق كثير في فيد ، والثعلبية ، وواقصة ، وغيرها ، وهلك كثير ، ولم يمض الحاج إلى مدينة النبي ، صلى الله عليه وسلم ، لهذه الأسباب ، ولشدة الغلاء فيها ، وعدم ما يقتات ، ووقع الوباء في البادية وهلك منهم عالم لا يحصون ، وهلكت مواشيهم ، وكانت الأسعار بمكة غالية .
وفيها ، في صفر ، قبض على الأمير المستنجد بالله توبة بن العقيلي ، وكان قد قرب منه قربا عظيما بحيث يخلو معه ، وأحبه المستنجد محبة كثيرة ، فحسده الوزير ابن هبيرة ، فوضع كتبا من العجم مع قوم وأمرهم أن يتعرضوا ليؤخذوا ، ففعلوا ذلك وأخذوا وأحضروا عند الخليفة ، فأظهروا الكتب بعد الامتناع الشديد ، فلما وقف الخليفة عليها خرج إلى نهر الملك يتصيد ، وكانت حلل توبة على الفرات ، فحضر عنده ، فأمر بالقبض عليه ، فقبض وأدخل بغداد ليلا وحبس ، فكان آخر العهد به ، فلم يمتع الوزير بعده بالحياة بل مات بعد ثلاثة أشهر ، وكان توبة من أكمل العرب مروءة وعقلا وسخاء وإجازة ، واجتمع فيه من خلال الكمال ما تفرق في الناس .
[ الوفيات ]
وفيها ، في ربيع الأول ، الشهاب محمود بن عبد العزيز الحامدي الهروي وزير السلطان أرسلان ، ووزير توفي . أتابكه شمس الدين إيلدكز
وفيها توفي ، وزير الخليفة ، وكان موته في جمادى الأولى ومولده سنة تسعين وأربعمائة ، ودفن [ ص: 324 ] بالمدرسة التي بناها للحنابلة بباب عون الدين الوزير ابن هبيرة ، واسمه يحيى بن محمد أبو المظفر البصرة ، وكان حنبلي المذهب ، دينا ، خيرا ، عالما يسمع حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وله فيه التصانيف الحسنة ، وكان ذا رأي سديد ، ونافق على المقتفي نفاقا عظيما ، حتى إن المقتفي كان يقول : لم يزر لبني العباس مثله ، ولما مات قبض على أولاده وأهله .
وتوفي بهذه السنة محمد بن سعد البغدادي بالموصل ، وله شعر حسن ، فمن قوله :
أفدي الذي وكلني حبه بطول إعلال وإمراض ولست أدري بعد ذا كله
أساخط مولاي أم راض