[ ص: 329 ] ذكر أسد الدين الإسكندرية وعوده إلى الشام ملك
لما انهزم المصريون والفرنج من أسد الدين بالبابين سار إلى ثغر الإسكندرية ، وجبى ما في القرى على طريقه من الأموال ، ووصل إلى الإسكندرية ، فتسلمها بمساعدة من أهلها سلموها إليه ، فاستناب بها صلاح الدين ابن أخيه وعاد إلى الصعيد ، فملكه ، وجبى أمواله ، وأقام به حتى صام رمضان .
وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة ، وأصلحوا حال عساكرهم ، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية ، فحصروا صلاح الدين بها ، واشتد الحصار ، وقل الطعام على من بها ، فصبر أهلها على ذلك ، وسار أسد الدين من الصعيد إليهم ، وكان قد أفسد بعض من معه من شاور التركمان ، فوصل رسل الفرنج والمصريين يطلبون الصلح ، وبذلوا له خمسين ألف دينار سوى ما أخذه من البلاد ، فأجابهم إلى ذلك ، وشرط [ على ] الفرنج أن لا يقيموا بالبلاد ، ولا يتملكوا منها قرية واحدة ، فأجابوا إلى ذلك ، واصطلحوا وعاد إلى الشام ، وتسلم المصريون الإسكندرية في نصف شوال ، ووصل شيركوه إلى دمشق ثامن عشر ذي القعدة .
وأما الفرنج فإنهم استقر بينهم وبين المصريين أن يكون لهم بالقاهرة شحنة ، وتكون أبوابها بيد فرسانهم ليمتنع نور الدين من إنفاذ عسكر إليهم ، ويكون لهم من دخل مصر كل سنة مائة ألف دينار . هذا كله استقر مع ، فإن العاضد لم يكن معه حكم ; لأنه قد حجر عليه وحجبه عن الأمور كلها ، وعاد شاور الفرنج إلى بلادهم بالساحل الشامي ، وتركوا بمصر جماعة من مشاهير فرسانهم .
وكان الكامل شجاع بن شاور قد أرسل إلى نور الدين مع بعض الأمراء ينهي [ ص: 330 ] محبته وولاءه ، ويسأله الدخول في طاعته ، وضمن على نفسه أن يفعل هذا ويجمع الكلمة بمصر على طاعته ، وبذل مالا يحمله كل سنة ، فأجابه إلى ذلك ، وحمل إليه مالا جزيلا ، فبقي الأمر على ذلك إلى أن قصد الفرنج مصر سنة أربع وستين وخمسمائة ، فكان ما نذكره هناك إن شاء الله تعالى .