ومنهم ، وكان أيضا شديدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهرب خوفا منه إلى صفوان بن أمية بن خلف جدة ، فقال عمير بن وهب الجمحي : يا رسول الله ، إن صفوان سيد قومي ، وقد خرج هاربا منك فآمنه . قال : هو آمن ، وأعطاه عمامته التي دخل بها مكة ليعرف بها أمانه ، فخرج بها عمير فأدركه بجدة ، فأعلمه بأمانه وقال : إنه أحلم الناس وأوصلهم ، وإنه ابن عمك ، وعزه عزك ، وشرفه شرفك . قال : إني أخافه على نفسي . قال : هو أحلم من ذلك . فرجع صفوان وقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن هذا يزعم أنك آمنتني . قال : صدق . قال : اجعلني بالخيار شهرين . قال : أنت فيه أربعة أشهر . فأقام معه كافرا ، وشهد معه حنينا والطائف ، ثم أسلم وحسن إسلامه ، وتوفي بمكة عند خروج الناس إلى البصرة ليوم الجمل .
ومنهم من عبد الله بن سعد بن أبي سرح بني عامر بن لؤي ، وكان قد أسلم وكتب الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان إذا أملى عليه : عزيز حكيم ، يكتب : عليم حكيم ، وأشباه ذلك ، ثم ارتد وقال لقريش : إني أكتب أحرف محمد في قرآنه حيث شئت ، ودينكم خير من دينه ، فلما كان يوم الفتح فر إلى ، وكان أخاه من الرضاعة ، فغيبه عثمان بن عفان عثمان حتى اطمأن الناس ، ثم أحضره عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطلب له الأمان ، فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طويلا ثم آمنه ، فأسلم وعاد ، فلما انصرف قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : لقد صمت ليقتله أحدكم . فقال أحدهم : هلا أومأت إلينا ؟ فقال : . [ ص: 123 ] ما كان للنبي أن يقتل بالإشارة ، إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين
ومنهم عبد الله بن خطل ، وكان قد أسلم ، فأرسله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مصدقا ومعه رجل من الأنصار وغلام له رومي قد أسلم ، فكان الرومي يخدمه ويصنع الطعام ، فنسي يوما أن يصنع له طعاما ، فقتله وارتد ، وكان له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتله سعيد بن حريث المخزومي ، أخو ، عمرو بن حريث . وأبو برزة الأسلمي
ومنهم الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان يؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، وينشد الهجاء فيه ، فلما كان يوم الفتح هرب من بيته ، فلقيه ، فقتله . علي بن أبي طالب
ومنهم مقيس بن صبابة ، وإنما أمر بقتله لأنه قتل الأنصاري الذي قتل أخاه هشاما خطأ وارتد ، فلما انهزم أهل مكة يوم الفتح اختفى بمكان هو وجماعة ، وشربوا الخمر ، فعلم به نميلة بن عبد الله الكناني ، فأتاه فضربه بالسيف حتى قتله .
ومنهم عبد الله بن الزبعرى السهمي ، وكان يهجو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ويعظم القول فيه ، فهرب يوم الفتح هو وهبيرة بن أبي وهب المخزومي زوج - إلى أم هانئ بنت أبي طالب نجران ، فأما هبيرة فأقام بها مشركا حتى هلك ، وأما ابن الزبعرى فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعتذر ، فقبل عذره ، فقال حين أسلم :
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغي
ومن مال ميله مثبور [ ص: 124 ] آمن اللحم والعظام بربي
ثم نفسي الشهيد أنت النذير
في أشعار له كثيرة يعتذر فيها .
ومنهم وحشي بن حرب قاتل حمزة ، فهرب يوم الفتح إلى الطائف ، ثم قدم في وفد أهله على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : . وهو أول من جلد في الخمر ، وأول من لبس المعصفر المصقول في الشام . أوحشي ؟ قال : نعم . قال : أخبرني كيف قتلت عمي ؟ فأخبره ، فبكى وقال : غيب وجهك عني
وهرب ، فرآه حويطب بن عبد العزى أبو ذر في حائط ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكانه ، فقال : أوليس قد آمنا الناس إلا من قد أمرنا بقتله ؟ فأخبره بذلك ، فجاء إلى النبي فأسلم . قيل : إنه دخل يوما على وهو على مروان بن الحكم المدينة ، فقال له مروان : يا شيخ ، تأخر إسلامك . فقال : لقد هممت به غير مرة فكان يصدني عنه أبوك .
فأما النساء فمنهن هند بنت عتبة ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتلها لما فعلت بحمزة ، ولما كانت تؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، فجاءت إليه مع النساء متخفية فأسلمت ، وكسرت كل صنم في بيتها وقالت : لقد كنا منكم في غرور ، وأهدت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جديين ، واعتذرت من قلة ولادة غنمها ، فدعا لها بالبركة في غنمها فكثرت ، فكانت تهب وتقول : هذا من بركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالحمد لله الذي هدانا للإسلام .
ومنهن سارة ، وهي مولاة عمرو بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، وهي التي حملت كتاب في قول بعضهم ، وكانت قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمة فوصلها ، فعادت إلى مكة مرتدة ، فأمر بقتلها ، فقتلها حاطب بن أبي بلتعة . علي بن أبي طالب
ومنهن قينتا عبد الله بن خطل ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقتلهما ، فقتلت إحداهما واسمها قريبة ، وفرت الأخرى وتنكرت وجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 125 ] فأسلمت ، وبقيت إلى خلافة ، فأوطأها رجل فرسه خطأ فماتت ، وقيل : بقيت إلى خلافة عمر بن الخطاب عثمان ، فكسر رجل ضلعا من أضلاعها خطأ فماتت ، فأغرمه عثمان ديتها .
مكة كانت عليه عمامة سوداء ، فوقف على باب دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة وقال : لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل دم أو مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين ، إلا سدانة البيت ، وسقاية الحج . ثم قال : يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيرا ، أخ كريم ، وابن أخ كريم . قال : اذهبوا ، فأنتم الطلقاء . فعفا عنهم ، وكان الله قد أمكنه منهم ، وكانوا له فيئا ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء . بالكعبة سبعا ، ودخلها وصلى فيها ، ورأى فيها صور الأنبياء ، فأمر بها فمحيت ، وكان على وطاف الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، وكان بيده قضيب ، فكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ : وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فلا يشير إلى صنم منها إلا سقط لوجهه . وقيل : بل أمر بها وخدمت وكسرت . ولما
ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للبيعة على الصفا تحته ، واجتمع الناس لبيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام ، فكان يبايعهم على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا ، فكانت هذه بيعة الرجال . وعمر بن الخطاب
وأما بيعة النساء ، فإنه لما فرغ من الرجال بايع النساء ، فأتاه منهن نساء من نساء قريش ، منهن ، أم هانئ بنت أبي طالب وأم حبيب بنت العاص بن أمية ، وكانت عند عمرو بن عبد ود العامري ، وأروى بنت أبي العيص عمة عتاب بن أسيد ، وأختها عاتكة بنت أبي العيص ، وكانت عند المطلب بن أبي وداعة السهمي ، وأمه بنت عفان بن أبي العاص أخت عثمان ، وكانت عند سعد حليف بني مخزوم ، وهند بنت عتبة ، وكانت عند أبي سفيان ، ويسيرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ، وأم حكيم بنت [ ص: 126 ] الحارث بن هشام ، وكانت عند ، عكرمة بن أبي جهل وفاختة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد ، وكانت عند ، صفوان بن أمية بن خلف وريطة بنت الحجاج ، وكانت عند عمرو بن العاص في غيرهن ، وكانت هند متنكرة لصنيعها بحمزة ، فهي تخاف أن تؤخذ به ، وقال لهن : تبايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا . قالت هند : إنك والله لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال ، فسنؤتيكه . قال : ولا تسرقن . قالت : والله إن كنت لأصيب من مال أبي سفيان الهنة والهنة . فقال أبو سفيان ، وكان حاضرا : أما ما مضى فأنت منه في حل . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أهند ؟ قالت أنا هند فاعف عما سلف ، عفا الله عنك . قال ولا تزنين . قالت : وهل تزني الحرة ؟ قال : ولا تقتلن أولادكن . قالت : ربيناهم صغارا ، وقتلتهم يوم بدر كبارا ، فأنت وهم أعلم . فضحك عمر . قال : ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن . قالت : والله إن إتيان البهتان لقبيح ، ولبعض التجاوز أمثل . قال : ولا تعصينني في معروف . قالت ما جلسنا هذا المجلس ونحن نريد أن نعصيك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر : . بايعهن . واستغفر لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمس النساء ، ولا يصافح امرأة ، ولا تمسه امرأة إلا امرأة أحلها الله له ، أو ذات محرم منه
ولما جاء وقت الظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن يؤذن على ظهر الكعبة وقريش فوق الجبال ، فمنهم من يطلب الأمان ، ومنهم من قد أمن ، فلما أذن وقال : أشهد أن محمدا رسول الله ، قالت جويرة بنت أبي جهل : لقد أكرم الله أبي حين لم يشهد نهيق بلال فوق الكعبة . وقيل : إنها قالت : لقد رفع الله ذكر محمد ، وأما نحن فسنصلي ، ولكنا لا نحب من قتل الأحبة .
وقال خالد بن أسد ، أخو عثمان بن أسد : لقد أكرم الله أبي ، فلم ير هذا اليوم .
وقال : ليتني مت قبل هذا اليوم . الحارث بن هشام
وقال جماعة نحو هذا القول . ثم أسلموا وحسن إسلامهم ، ورضي الله عنهم .
( وأما الأسماء المشكلة ، فحاطب بن أبي بلتعة بالحاء والطاء المهملتين ، والباء الموحدة ، وبلتعة بالباء الموحدة ، وبعد اللام تاء مثناة من فوقها . وعيينة بن حصن [ ص: 127 ] بضم العين المهملة ، وياءين مثناتين من تحت ، ثم نون ، تصغير عين ، وبديل بن ورقاء بضم الباء الموحدة . وعتاب بالتاء فوقها نقطتان ، وآخره باء موحدة . وأسيد بفتح الهمزة ، وكسر السين ) .
وقول : ابن عمك وابن عمتك ، فتعني بابن عمه أم سلمة ، وابن عمته أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عبد الله بن أبي أمية ، وهو أخوها لأبيها ، وكانت أمه . وقوله : قال في عاتكة بنت عبد المطلب مكة ما قال : فإنه قال بمكة : لن نؤمن لك حتى ترقى في السماء ، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه . وقد غلط هنا بعض العلماء الكبار فقال : معنى قول : ابن عمتك ، أن جدة النبي أم سلمة أم عبد الله كانت مخزومية ، وعبد الله بن أبي أمية مخزومي ، فعلى هذا يكون ابن خالته لا ابن عمته ، والصواب ما ذكرناه .
( وحبيش بن خالد بضم الحاء المهملة ، وبالباء الموحدة ، ثم بالياء المثناة من تحت ، وآخره شين معجمة . ومقيس بن صبابة بكسر الميم ، وسكون القاف ، وبالياء المثناة من تحت المفتوحة ، وآخره سين مهملة . وصبابة بضم الصاد المهملة ، وباءين موحدتين بينهما ألف . خطم الجبل روي بالخاء المعجمة ، وبالحاء المهملة ، فأما بالخاء المعجمة فهو الأنف الخارج من الجبل ، وأما بالحاء المهملة فهو الموضع الذي ثلم منه وقطع ، فبقي منقطعا ، وقد روي حطم الخيل بالحاء المهملة ، والخيل هذه هي التي تركب ، يعني أنه يحبسه في الموضع الضيق الذي يحطم الخيل فيه بعضها بعضا لضيقه ) .