ذكر عدة حوادث
في هذه السنة ، في المحرم ، وقع الحريق ببغداد فاحترق أكثر الظفرية ومواضع غيرها ، ودام الحريق إلى بكرة وطفئت النار .
وفيها في شعبان ، بنى ابن سنكا ، وهو ابن أخي شملة صاحب خوزستان ، قلعة [ ص: 399 ] بالقرب من الماهكي ليتقوى بها على الاستيلاء على تلك الأعمال ، فسير إليه الخليفة العساكر من بغداد لمنعه ، فالتقوا وحمل بنفسه على الميمنة فهزمها ، واقتتل الناس قتالا عظيما ، وأسر ابن أخي شملة ، وحمل رأسه إلى بغداد ، فعلق بباب النوبي ، وهدمت القلعة .
وفيها ، في رمضان ، توالت الأمطار في ديار بكر والجزيرة والموصل ، فدامت أربعين يوما ما رأينا الشمس فيها غير مرتين ، كل مرة مقدار لحظة ، وخربت المساكن وغيرها ، وكثر الهدم ، ومات تحته كثير من الناس ، وزادت دجلة زيادة عظيمة ، وكان أكثرها ببغداد ، فإنها زادت على كل زيادة تقدمت منذ بنيت بغداد بذراع وكسر ، وخاف الناس الغرق ، وفارقوا البلد ، وأقاموا على شاطئ دجلة خوفا من انفتاح القورج وغيره ، وكانوا كلما انفتح موضع بادروا بسده ، ونبع الماء في البلاليع ، وخرب كثيرا من الدور ، ودخل الماء إلى البيمارستان العضدي ، ودخلت السفن من الشبابيك التي له ، فإنها كانت قد تعلقت ، فمن الله تعالى على الناس بنقص الماء بعد أن أشرفوا على الغرق .
وفيها ، في جمادى الأولى ، كانت الفتنة ببغداد بين قطب الدين قايماز والخليفة ، وسببها أن الخليفة أمر بإعادة عضد الدين ابن رئيس الرؤساء إلى الوزارة ، فمنع منه قطب الدين ، وأغلق باب النوبي وباب العامة ، وبقيت دار الخليفة كالمحاصرة ، فأجاب الخليفة إلى ترك وزارته ، فقالقطب الدين : لا أقنع إلا بإخراج عضد الدين من بغداد ، فأمر بالخروج منها ، فالتجأ إلى صدر الدين شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن إسماعيل ، فأخذه إلى رباطه وأجاره ، ونقله إلى دار الوزير بقطفتا ، فأقام بها ، ثم عاد إلى بيته في جمادى الآخرة .
وفيها سقط الأمير أبو العباس أحمد ابن الخليفة - وهو الذي صار خليفة - من قبة عالية إلى أرض التاج ومعه غلام له اسمه نجاح ، فألقى نفسه بعده ، وسلم ابن الخليفة [ ص: 400 ] ونجاح ، فقيل لنجاح : لم ألقيت نفسك ؟ فقال : ما كنت أريد البقاء بعد مولاي ، فرعى له الأمير أبو العباس ذلك ، فلما صار خليفة جعله شرابيا ، وصارت الدولة جميعها بحكمه ، ولقيه الملك الرحيم عز الدين ، وبالغ في الإحسان إليه والتقديم له ، وخدمه جميع الأمراء بالعراق والوزراء وغيرهم .
وفيها ، في رمضان ، وقع ببغداد برد كبار ما رأى الناس مثله ، فهدم الدور ، وقتل جماعة من الناس وكثيرا من المواشي ، فوزنت بردة منها فكانت سبعة أرطال ، وكان عامته كالنارنج يكسر الأغصان . هكذا ذكره في " تاريخه " ، والعهدة عليه . أبو الفرج بن الجوزي
وفيها كانت وقعة عظيمة بين المؤيد ، صاحب نيسابور ، وبين شاه مازندران ، قتل فيها كثير من الطائفتين ، فانهزم شاه مازندران ، ودخل المؤيد بلد الديلم وخربه وفتك بأهله وعاد عنه .
وفيها وقعت وقعة كبيرة بين أهل باب البصرة وأهل باب الكرخ ، وسببها أن الماء لما زاد سكر أهل الكرخ سكرا رد الماء عنهم ، فغرق مسجد فيه شجرة ، فانقلعت ، فصاح أهل الكرخ : انقلعت الشجرة ، لعن الله العشرة ! فقامت الفتنة ، فتقدم الخليفة إلى علاء الدين تنامش بكفهم ، فمال على أهل باب البصرة لأنه كان شيعيا ، وأراد دخول المحلة ، فمنعه أهلها ، وأغلقوا الأبواب ووقفوا على السور ، وأراد إحراق الأبواب ، فبلغ ذلك الخليفة فأنكره أشد إنكار وأمر بإعادة تنامش ، فعاد ، ودامت الفتنة أسبوعا ، ثم انفصل الحال من غير توسط سلطان .
وفيها عبر ملك الروم خليج القسطنطينية وقصد بلاد قلج أرسلان ، فجرى بينهما حرب استظهر فيها المسلمون ، فلما رأى ملك الروم عجزه عاد إلى بلده ، وقد قتل من عسكره وأسر جماعة كثيرة .
[ ص: 401 ] [ الوفيات ] وفيها ، في جمادى الأولى ، أحمد بن علي بن المعمر بن محمد بن عبد الله أبو عبد الله العلوي الحسيني نقيب العلويين مات ببغداد ، وكان يلقب الظاهر ، وسمع الحديث الكثير ورواه ، وكان حسنة أهل بغداد .
وفيها الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار الهمذاني ، سافر الكثير في طلب الحديث وقراءة القرآن واللغة ، وكان من أعيان المحدثين في زمانه ، وكان له قبول عظيم ببلده عند العامة والخاصة . توفي
وفيها أبو محمد سعيد بن المبارك المعروف بابن الدهان النحوي البغدادي توفي بالموصل ، وكان إماما في النحو ، له التصانيف المشهورة منها " الغرة " وغيرها .