ذكر عدة حوادث 
في هذه السنة ، في المحرم ، خطب للسلطان  طغرل بن أرسلان بن طغرل بن   [ ص: 432 ] محمد بن ملكشاه  المقيم عند  إيلدكز  بهمذان  ، وكان أبوه  أرسلان  قد توفي . 
وفيها ، سابع شوال ، هبت ببغداد  ريح عظيمة ، فزلزلت الأرض ، واشتد الأمر على الناس حتى ظنوا أن القيامة قد قامت ، فبقي ذلك ساعة ثم انجلت ، وقد وقع كثير من الدور ، ومات فيها جماعة كثيرة . 
وفيها ، رابع ذي القعدة ، قتل  عضد الدين أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء أبي القاسم بن المسلمة  وزير الخليفة ، وكان قد عزم على الحج فعبر دجلة  ليسير ، وعبر معه أرباب مناصب ، وهو في موكب عظيم ، وتقدم إلى أصحابه أن لا يمنعوا عنه أحدا ، فلما وصل إلى باب قطفتا  لقيه كهل فقال : أنا مظلوم ، وتقدم ليسمع الوزير كلامه ، فضربه بسكين في خاصرته ، فصاح الوزير : قتلتني ! ووقع من الدابة ، وسقطت عمامته ، فغطى رأسه بكمه ، وضرب الباطني بسيف ، وعاد إلى الوزير فضربه ، وأقبل حاجب الباب  ابن المعوج  لينصر الوزير ، فضربه الباطني بسكين وقيل بل ضربه رفيق كان للباطني ، ثم قتل الباطني ورفيقه ، وكان لهما رفيق ثالث ، فصاح وبيده سكين فقتل ولم يعمل شيئا . وأحرقوا ثلاثتهم وحمل الوزير إلى دار له هناك ، وحمل حاجب الباب مجروحا إلى بيته ، فمات هو والوزير ، وحمل الوزير فدفن عند أبيه بمقبرة الرباط  عند جامع المنصور    . 
وكان الوزير قد رأى في المنام أنه معانق   عثمان بن [ عفان ]  ، وحكى عنه ولده أنه اغتسل قبل خروجه ، وقال : هذا غسل الإسلام ، وأنا مقتول بلا شك ، وكان مولده في جمادى الأولى سنة أربع عشرة وخمسمائة ، وكان أبوه أستاذ دار   المقتفي لأمر الله  ، فلما مات ولي هو مكانه ، فبقي كذلك إلى أن مات  المقتفي  ، فأقره  المستنجد  على ذلك ورفع قدره ، فلما ولي  المستضيء  استوزره ، وكان حافظا للقرآن ، سمع الحديث ، وله معروف كثير ، وكانت داره مجمعا للعلماء ، وختمت أعماله بالشهادة وهو على قصد الحج . 
 [ ص: 433 ] وفيها كانت فتنة ببغداد  ، وسببها أنه حضر قوم من مسلمي المدائن  إلى بغداد  ، فشكوا من يهودها ، وقالوا : لنا مسجد نؤذن فيه ونصلي ، وهو مجاور الكنيسة ، فقال لنا اليهود    : قد آذيتمونا بكثرة الأذان ، فقال المؤذن : ما نبالي بذلك ، فاختصموا ، وكانت فتنة استظهر فيها اليهود  ، فجاء المسلمون يشكون منهم ، فأمر  ابن العطار  ، وهو صاحب المخزن ، بحبسهم ، ثم أخرجوا ، فقصدوا جامع القصر ، واستغاثوا قبل صلاة الجمعة ، فخفف الخطيب الخطبة والصلاة ، فعادوا يستغيثون ، فأتاهم جماعة من الجند ومنعوهم ، فلما رأى العامة ما فعل بهم غضبوا نصرة للإسلام ، فاستغاثوا ، وقالوا أشياء قبيحة ، وقلعوا طوابيق الجامع ، ورجموا الجند فهربوا ، ثم قصد العامة دكاكين المخلطين ، لأن أكثرهم يهود  ، فنهبوها ، وأراد حاجب الباب منعهم ، فرجموه فهرب منهم ، وانقلب البلد ، وخربوا الكنيسة التي عند دار البساسيري  ، وأحرقوا التوراة فاختفى اليهود  ، وأمر الخليفة أن تنقض الكنيسة التي بالمدائن  وتجعل مسجدا ، ونصب بالرحبة  أخشاب ليصلب عليها قوم من المفسدين ، فظنها العامة نصبت تخويفا لهم لأجل ما فعلوا ، فعلقوا عليها في الليل جرذانا ميتة ، وأخرج جماعة من الحبس لصوص فصلبوا عليها . 
وفيها ، في شعبان ، قبض   سيف الدين غازي  ، صاحب الموصل  ، على وزيره  جلال الدين علي بن جمال الدين   بغير جرم ولا عجز ، ولا لتقصير ، بل لعجز  سيف الدين  ، فإن  جلال الدين  كان بينه وبين  مجاهد الدين قايماز  مشاحنة ، فقال  مجاهد الدين  لسيف الدين     : لابد من قبض الوزير ، فقبض عليه كارها لذلك ، ثم شفع  ابن نيسان  رئيس آمد  لصهر بينهما ، فأخرج ، وسار إلى آمد  فمرض بها ، وعاد إلى دنيسر  ، فمات سنة أربع وسبعين [ وخمسمائة ] وعمره سبع وعشرون سنة ، وحمل إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - فدفن عند والده في الرباط الذي بناه بها . 
 [ ص: 434 ] وكان - رحمه الله - من محاسن الدنيا ، جمع كرما ، وعلما ، ودينا ، وعفة ، وحسن سيرة ، واستحلفه  سيف الدين  أنه لا يمضي إلى  صلاح الدين  لأنه خاف أن يمضي إليه للمودة التي كانت بين  جمال الدين  وبين  نجم الدين أيوب   وأسد الدين شيركوه  ، فبلغني أن  صلاح الدين  طلبه فلم يقصده لليمين . 
وفيها اجتمع طائفة من الفرنج  وقصدوا أعمال حمص  فنهبوها وغنموا ، وأسروا وسبوا ، فسار   ناصر الدين محمد بن شيركوه  ، صاحب حمص  ، وسبقهم ووقف على طريقهم . وكمن لهم ، فلما وصلوا إليه خرج إليهم هو والكمين ، ووضعوا السيف فيهم ، فقتل أكثرهم وأسر جماعة من مقدمتهم ، ومن سلم منهم لم يفلت إلا وهو مثخن بالجراح ، واسترد منهم جميع ما غنموا فرده على أصحابه . 
[ الوفيات   ] وفيها في ربيع الآخر ، توفي  صدقة بن الحسين الحداد   ، الذي ذيل " تاريخ   ابن الزاغوني     " ببغداد    . 
وفيها في جمادى الأولى ، توفي  محمد بن أحمد بن عبد الجبار الفقيه الحنفي المعروف بالمشطب  ببغداد    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					