ذكر مسير  صلاح الدين  لحرب  قلج أرسلان   
في هذه السنة سار   صلاح الدين يوسف بن أيوب  من الشام  إلى بلاد   قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان  ، وهي ملطية  وسيواس  وما بينهما ، وقونية  ليحاربه . 
وسبب ذلك أن  نور الدين محمد بن قرا أرسلان بن داود  ، صاحب حصن كيفا  وغيره من ديار بكر  ، كان قد تزوج ابنة  قلج أرسلان  المذكور ، وبقيت عنده مدة ، ثم إنه أحب مغنية ، فتزوجها ، ومال إليها ، وحكمت في بلاده وخزائنه ، وأعرض عن ابنة  قلج أرسلان  ، وتركها نسيا منسيا ، فبلغ أباها الخبر ، فعزم على قصد  نور الدين  وأخذ بلاده ، فأرسل  نور الدين  إلى  صلاح الدين  يستجير به ويسأله كف يد  قلج أرسلان  عنه ، فأرسل  صلاح الدين  إلى  قلج أرسلان  في المعنى ، فأعاد الجواب : إنني كنت قد سلمت إلى  نور الدين  عدة حصون مجاورة بلاده لما تزوج ابنتي ، فحيث آل الأمر إلى ما   [ ص: 448 ] تعلمه ، فأنا أريد أن يعيد إلي ما أخذه مني . 
وترددت الرسل بينهما ، فلم يستقر حال فيها ، فهادن  صلاح الدين  الفرنج  ، وسار في عساكره ، وكان   الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود  صاحب حلب  بها ، فتركها ذات اليسار ، وسار على تل باشر  إلى رعبان  ، فأتاه بها  نور الدين محمد  وأقام عنده ، فلما سمع  قلج أرسلان  بقربه منه أرسل إليه أكبر أمير عنده ، ويقول له : إن هذا الرجل فعل مع ابنتي كذا ، ولا بد من قصد بلاده ، وتعريفه محل نفسه ، فلما وصل الرسول ، واجتمع  بصلاح الدين  وأدى الرسالة ، امتعض  صلاح الدين  لذلك واغتاظ ، وقال للرسول : قل لصاحبك والله الذي لا إله إلا هو لئن لم يرجع لأسيرن إلى ملطية  وبيني وبينها يومان ، ولا أنزل عن فرسي إلا في البلد ، ثم أقصد جميع بلاده وآخذها منه . 
فرأى الرسول أمرا شديدا ، فقام من عنده ، وكان قد رأى العسكر وما هو عليه من القوة والتجمل ، وكثرة السلاح والدواب ، وغير ذلك ، وليس عنده ما يقاربه ، فعلم أنه إن قصدهم أخذ بلادهم ، فأرسل إليه من الغد يطلب أن يجتمع به ، فأحضره فقال له : أريد أن أقول شيئا من عندي ليس رسالة عن صاحبي ، وأحب أن تنصفني ، فقال له : قل ! فقال : يا مولانا ما هو قبيح بمثلك ، وأنت من أعظم السلاطين وأكبرهم شأنا ، أن تسمع الناس عنك أنك صالحت الفرنج  ، وتركت الغزو ومصالح المملكة ، وأعرضت عن كل ما فيه صلاح لك ولرعيتك وللمسلمين عامة ، وجمعت العساكر من أطراف البلاد البعيدة والقريبة ، وخسرت أنت وعساكرك الأموال العظيمة لأجل قحبة مغنية ؟ وما يكون عذرك عند الله تعالى ، ثم عند الخليفة وملوك الإسلام والعالم كافة ؟ واحسب أن أحدا ما يواجهك بهذا ، أما يعلمون أن الأمر هكذا ؟ ثم احسب أن  قلج أرسلان  مات ، وهذه ابنته قد أرسلتني إليك تستجير بك ، وتسألك أن تنصفها من زوجها ، فإن فعلت ، فهو الظن بك أن لا تردها . 
فقال : والله الحق بيدك ، وإن الأمر لكما تقول ، ولكن هذا الرجل دخل علي وتمسك بي ويقبح بي تركه ، لكنك أنت اجتمع به ، وأصلح الحال بينكم على ما   [ ص: 449 ] تحبونه ، وأنا أعينكم عليه ، وأقبح فعله عنده ، ووعد من نفسه بكل جميل ، فاجتمع الرسول بصاحب الحصن ، وتردد القول بينهم ، فاستقر أن صاحب الحصن يخرج المغنية عنه بعد سنة ، وإن كان لا يفعل ينزل  صلاح الدين  عن نصرته ، ويكون هو  وقلج أرسلان  عليه ، واصطلحوا على ذلك وعاد  صلاح الدين  عنه إلى الشام  ، وعاد  نور الدين  إلى بلاده ، فلما انقضت المدة أخرج  نور الدين  المغنية عنه ، فتوجهت إلى بغداد  ، وأقامت بها إلى أن ماتت . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					