ذكر صهيون وعدة من الحصون فتح
ثم رحل صلاح الدين عن لاذقية في السابع والعشرين من جمادى الأولى ، وقصد قلعة صهيون ، وهي قلعة ، منيعة شاهقة في الهواء ، صعبة المرتقى ، على قرنة جبل يطيف بها واد عميق ، فيه ضيق في بعض المواضع ، بحيث إن حجر المنجنيق يصل منه إلى الحصن ، إلا أن الجبل متصل بها من جهة الشمال .
وقد عملوا لها خندقا عميقا لا يرى قعره ، وخمسة أسوار منيعة فنزل صلاح الدين على هذا الجبل الملتصق بها ونصب عليه المجانيق ورماها وتقدم إلى ولده حلب ، فنزل على المكان الضيق من الوادي ، ونصب عليه المجانيق أيضا ، فرمى الحصن منه . الظاهر ، صاحب
وكان معه من الرجالة الحلبيين كثير ، وهم في الشجاعة بالمنزلة المشهورة ، ودام رشق السهام من قسي اليد والجرخ ، والزنبورك ، والزيار ، فجرح أكثر من بالحصن ، وهم يظهرون التجلد والامتناع .
وزحف المسلمون إليهم ثاني جمادى الآخرة ، فتعلقوا بقرنة من ذلك الجبل قد أغفل الفرنج إحكامها ، فتسلقوا منها بين الصخور ، حتى التحقوا بالسور الأول فقاتلوهم عليه حتى ملكوه ، ثم إنهم قاتلوهم على باقي الأسوار فملكوا منها ثلاثة وغنموا ما فيها من أبقار ودواب وذخائر وغير ذلك .
واحتمى الفرنج بالقلة التي للقلعة ، فقاتلهم المسلمون عليها ، فنادوا وطلبوا الأمان فلم يجبهم صلاح الدين إليه ، فقرروا على أنفسهم مثل قطيعة البيت المقدس ، وتسلم الحصن وسلمه إلى أمير يقال له ناصر الدين منكوبرس ، صاحب قلعة أبي قبيس ، فحصنه وجعله من أحصن الحصون .
ولما ملك المسلمون صهيون تفرقوا في تلك النواحي ، فملكوا حصن بلاطنوس ، وكان من به من الفرنج قد هربوا منه وتركوه خوفا ورعبا ، وملك أيضا [ ص: 52 ] حصن العيذو ، وحصن الجماهرتين ، فاتسعت المملكة الإسلامية بتلك الناحية ، إلا أن الطريق إليها من البلاد الإسلامية على عقبة بكسرائيل شاق شديد ، لأن الطريق السهلة كانت غير مسلوكة ، لأن بعضها بيد الإسماعيلية ، وبعضها بيد الفرنج .