[ ص: 65 ]   585 
ثم دخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة 
ذكر فتح شقيف أرنون   
في هذه السنة ، في ربيع الأول ، سار  صلاح الدين  إلى شقيف أرنون  ، وهو من أمنع الحصون ، ليحصره ، فنزل صاحب الشقيف  ، وهو  أرناط  صاحب صيدا  ، وكان  أرناط  هذا لمن أعظم الناس دهاء ومكرا ، فدخل إليه واجتمع به ، وأظهر له الطاعة والمودة . 
وقال له : أنا محب لك ، ومعترف بإحسانك ، وأخاف أن يعرف  المركيس  ما بيني وبينك ، فينال أولادي وأهلي منه أذى ، فإنهم عنده ، فأشتهي أن تمهلني حتى أتوصل في تخليصهم من عنده ، وحينئذ أحضر أنا وهم عندك ، ونسلم الحصن إليك ، ونكون في خدمتك ، نقنع بما تعطينا من إقطاع فظن  صلاح الدين  صدقه ، فأجابه إلى ما سأل ، فاستقر الأمر بينهما أن يسلم الشقيف  في جمادى الآخرة . 
وأقام  صلاح الدين  بمرج عيون  ينتظر الميعاد ، وهو قلق مفكر ، لقرب انقضاء مدة الهدنة بينه وبين  البيمند  ، صاحب أنطاكية  ، فأمر  تقي الدين  ابن أخيه أن يسير في من معه من عساكره ، ومن يأتي من بلاد المشرق ، ويكون مقابل أنطاكية  لئلا يغير صاحبها على بلاد الإسلام عند انقضاء الهدنة . 
وكان أيضا منزعج الخاطر ، كثير الهم ، لما بلغه من اجتماع الفرنج بمدينة صور  ،   [ ص: 66 ] وما يتصل بهم من الأمداد في البحر ، وأن ملك الفرنج الذي كان قد أسره  صلاح الدين  وأطلقه ، بعد فتح القدس  ، قد اصطلح هو  والمركيس  ، بعد اختلاف كان بينهما ، وأنهم قد اجتمعوا في خلق ، لا يحصون ، فإنهم قد خرجوا من مدينة صور  إلى ظاهرها . 
فكان هذا وأشباهه مما يزعجه ، ويخاف من ترك الشقيف  وراء ظهره والتقدم إلى صور  وفيها الجموع المتوافرة فتنقطع الميرة عنه ، إلا أنه مع هذه الأشياء مقيم على العهد مع  أرناط  صاحب الشقيف    . 
وكان  أرناط  ، في مدة الهدنة ، يشتري الأقوات من سوق العسكر والسلاح وغير ذلك مما يحصن به شقيفه ، وكان  صلاح الدين  يحسن الظن ، وإذا قيل له عنه مما هو فيه من المكر ، وإن قصده المطاولة إلى أن يظهر الفرنج من صور  ، وحينئذ يبدي فضيحته ، ويظهر مخالفته لا يقبل فيه . 
فلما قارب انقضاء الهدنة تقدم  صلاح الدين  من معسكره إلى القرب من شقيف أرنون  وأحضر عنده  أرناط  ، وقد بقي من الأجل ثلاثة أيام . فقال له في معنى تسليم الشقيف  ، فاعتذر بأولاده وأهله ، وأن  المركيس  يمكنهم من المجيء إليه وطلب التأخير مدة أخرى . 
فحينئذ علم السلطان مكره وخداعه ، فأخذه وحبسه ، وأمره بتسليم الشقيف  ، فطلب قسيسا ، ذكره ، ليحمله رسالة إلى من بالشقيف  ليسلموه ، فأحضروه عنده ، فساره بما لم يعلموا ، فمضى ذلك القسيس إلى الشقيف  ، فأظهر أهله العصيان ، فسير  صلاح الدين  أرناط  إلى دمشق  وسجنه ، وتقدم إلى الشقيف  فحصره وضيق عليه ، وجعل ، عليه من يحفظه ، ويمنع عنه الذخيرة والرجال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					