ذكر السلطان طغرل ، وملك خوارزم شاه الري ، ووفاة أخيه سلطان شاه قتل
لقد ذكرنا سنة ثمان وثمانين [ وخمسمائة ] خروج من الحبس ، وملكه السلطان طغرل بن ألب أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي همذان وغيرها ، وكان قد جرى بينه وبين قتلغ إينانج بن البهلوان ، صاحب البلاد حرب ، انهزم فيها قتلغ إينانج ، وتحصن بالري .
وسار طغرل إلى همذان ، وأرسل قتلغ إينانج إلى خوارزم شاه علاء الدين تكش يستنجده ، فسار إليه في سنة ثمان وثمانين [ وخمسمائة ] ، فلما تقاربا ندم قتلغ إينانج على استدعاء خوارزم شاه ، وخاف على نفسه فمضى من بين يديه ، وتحصن قلعة له ، فسار خوارزم شاه إلى الري وملكها .
وحصر قلعة طبرك ففتحها في يومين ، وراسله طغرل ، واصطلحا ، وبقيت الري في يد خوارزم شاه فرتب فيها عسكرا يحفظها ، وعاد إلى خوارزم لأنه بلغه أن أخاه سلطان [ شاه ] قد قصد خوارزم ، فجد في السير خوفا عليها ، فأتاه الخبر ، وهو في الطريق أن أهل خوارزم منعوا سلطان شاه عنها ، ولم يقدر على القرب منها ، وعاد عنها خائبا .
فشتى خوارزم شاه بخوارزم ، فلما انقضى الشتاء سار إلى مرو لقصد أخيه سنة تسع وثمانين [ وخمسمائة ] ، فترددت الرسل بينهما في الصلح .
فبينما هم في تقرير الصلح ورد على خوارزم شاه رسول من مستحفظ قلعة سرخس لأخيه سلطان شاه يدعوه ليسلم القلعة ; لأنه قد استوحش من صاحبه سلطان شاه ، فسار خوارزم شاه إليه مجدا ، فتسلم القلعة وصار معه .
وبلغ ذلك سلطان شاه ففت في عضده ، وتزايد كمده ، فمات سلخ رمضان سنة [ ص: 128 ] تسع وثمانين وخمسمائة ، فلما سمع خوارزم شاه بموته سار من ساعته إلى مرو فتسلمها ، وتسلم مملكة أخيه سلطان شاه جميعها وخزائنه .
وأرسل إلى ابنه علاء الدين محمد ، وكان يلقب حينئذ قطب الدين ، وهو بخوارزم ، فأحضره فولاه نيسابور ، وولى ابنه الأكبر ملكشاه مرو ، وذلك في ذي الحجة سنة تسع وثمانين .
فلما دخلت سنة تسعين وخمسمائة ، قصد السلطان طغرل بلد الري فأغار على من به من أصحاب خوارزم شاه ، [ ففر منه قتلغ إينانج بن البهلوان ، وأرسل إلى خوارزم شاه ] يعتذر ويسأل إنجاده مرة ثانية .
ووافق ذلك وصول رسول الخليفة إلى خوارزم شاه يشكو من طغرل ، ويطلب منه قصد بلاده ومعه منشور بإقطاعه البلاد ، فسار من نيسابور إلى الري ، فتلقاه قتلغ إينانج ومن معه بالطاعة ، وساروا معه .
فلما سمع السلطان طغرل بوصوله كانت عساكره متفرقة ، فلم يقف ليجمعها بل سار إليه فيمن معه ، فقيل له : إن الذي تفعله ليس برأي ، والمصلحة أن تجمع العساكر فلم يقبل ، وكان فيه شجاعة ، بل تمم مسيره .
فالتقى العسكران بالقرب من الري ، فحمل طغرل بنفسه وسط عسكر خوارزم شاه ، فأحاطوا به وألقوه عن فرسه ، وقتلوه في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول ، وحمل رأسه إلى خوارزم شاه ، فسيره من يومه إلى بغداد ، فنصب بها بباب النوبي عدة أيام .
وسار خوارزم شاه إلى همذان ، وملك تلك البلاد جميعها ، وكان قد جهز عسكر إلى نجدة الخليفة الناصر لدين الله خوارزم شاه ، وسير له الخلع السلطانية مع وزيره مؤيد الدين بن القصاب ، فنزل على فرسخ من همذان ، فأرسل إليه خوارزم شاه يطلبه إليه .
فقال مؤيد الدين : ينبغي أن تحضر أنت وتلبس الخلعة من خيمتي وترددت الرسل بينهما في ذلك ، فقيل لخوارزم شاه : إنها حيلة عليك حتى تحضر عنده ، ويقبض عليك .
فرحل خوارزم شاه إليه قصدا لأخذه فاندفع من بين يديه والتجأ إلى بعض الجبال ، فامتنع به ، فرجع خوارزم شاه إلى همذان ، ولما ملك همذان وتلك البلاد سلمها إلى قتلغ إينانج ، وأقطع كثيرا منها لمماليكه ، وجعل المقدم عليهم مياجق ، وعاد إلى خوارزم .