ذكر ملك  نور الدين  نصيبين   
في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، سار   نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود  صاحب الموصل  إلى مدينة نصيبين  ، فملكها وأخذها من  ابن عمه قطب الدين محمد     . 
وسبب ذلك أن عمه  عماد الدين  كان له نصيبين  ، فتطاول نوابه بها ، واستولوا على عدة قرى من أعمال بين النهرين من ولاية الموصل  ، وهي تجاور نصيبين  ، فبلغ الخبر  مجاهد الدين  قايماز القائم بتدبير مملكة  نور الدين  بالموصل  وأعمالها والمرجوع إليه فيها ، فلم يعلم مخدومه  نور الدين  بذلك ، لما علم من قلة صبره على احتمال مثل   [ ص: 152 ] هذا ، وخاف أن يجري خلف بينهم ، فأرسل من عنده رسولا إلى  عماد الدين  في المعنى ، وقبح هذا الفعل الذي فعله النواب بغير أمره ، وقال : إنني ما أعلمت  نور الدين  بالحال لئلا يخرج عن يدك ، فإنه ليس كوالده ، وأخاف [ أن ] يبدو منه ما يخرج الأمر فيه عن يدي ، فأعاد الجواب : إنهم لم يفعلوا إلا ما أمرتهم به ، وهذه القرى من أعمال نصيبين    . 
فترددت الرسل بينهما ، فلم يرجع  عماد الدين  عن أخذها ، فحينئذ أعلم  مجاهد الدين  نور الدين  بالحال ، فأرسل  نور الدين  رسولا من مشايخ دولته ممن خدم جدهم  الشهيد زنكي  ومن بعده ، وحمله رسالة فيها بعض الخشونة ، فمضى الرسول فلحق  عماد الدين  وقد مرض ، فلما سمع الرسالة لم يلتفت ، وقال : لا أعيد ملكي ، فأشار الرسول من عنده ، حيث هو من مشايخ دولتهم ، بترك اللجاج ، وتسليم ما أخذه ، وحذره عاقبة ذلك ، فأغلظ عليه  عماد الدين  القول ، وعرض بذم  نور الدين  واحتقاره ، فعاد الرسول وحكى  لنور الدين  جلية الحال ، فغضب لذلك ، وعزم على المسير إلى نصيبين  وأخذها من عمه . 
فاتفق أن عمه مات ، وملك بعده ابنه ، فقوي طمعه ، فمنعه  مجاهد الدين  ، فلم يمتنع ، وتجهز وسار إليها ، فلما سمع  قطب الدين  صاحبها سار إليها من سنجار  في عسكره ، ونزل عليها ليمنع  نور الدين  عنها ، فوصل  نور الدين  ، وتقدم إلى البلد وكان بينهما نهر ، فجازه بعض أمرائه ، وقاتل من بإزائه ، فلم يثبتوا له ، فعبر جميع العسكر النوري ، وتمت الهزيمة على  قطب الدين  ، فصعد هو ونائبه  مجاهد الدين يرنقش  إلى قلعة نصيبين    . وأدركهم الليل ، فخرجوا منها هاربين إلى حران  ، وراسلوا   الملك العادل أبا بكر بن أيوب  صاحب حران  وغيرها وهو بدمشق  ، وبذلوا له الأموال الكثيرة لينجدهم ويعيد نصيبين  إليهم . 
وأقام  نور الدين  بنصيبين  مالكا لها ، فتضعضع عسكره بكثرة الأمراض ، وعودهم إلى الموصل  ، ومات كثير منهم ، ووصل  العادل  إلى الديار الجزرية ، فحينئذ فارق  نور الدين  نصيبين  وعاد إلى الموصل  في شهر رمضان ، فلما فارقها تسلمها  قطب الدين     . 
وممن توفي من أمراء الموصل    :  عز الدين جورديك  ،  وشمس الدين عبد الله بن إبراهيم  ،  وفخر الدين عبد الله بن عيسى المهرانيان  ،  ومجاهد الدين قايماز  ،  وظهير الدين يولق ابن بلنكري  ،  وجمال الدين محاسن  ، وغيرهم . ولما عاد  نور الدين  إلى   [ ص: 153 ] الموصل  قصد  العادل  قلعة ماردين  فحصرها ، وضيق على أهلها - على ما نذكره إن شاء الله تعالى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					