ذكر ملك  غياث الدين  وأخيه ما كان  لخوارزم شاه  بخراسان   
قد ذكرنا مسير  محمد بن خرميل  من الطالقان    . واستيلاءه على مرو الروذ  وسؤال  جقر التركي  نائب  علاء الدين محمد خوارزم شاه  بمرو  أن يكون في جملة عسكر  غياث الدين  ، ولما وصل كتاب  ابن خرميل  إلى  غياث الدين  في معنى جقر ، علم أن هذا إنما دعاه إلى الانتماء إليهم ضعف صاحبه ، فأرسل إلى أخيه  شهاب الدين  يستدعيه إلى خراسان  ، فسار من غزنة  في عساكره وجنوده وعدته وما يحتاج إليه . 
وكان بهراة  الأمير  عمر بن محمد المرغني  نائبا عن  غياث الدين  ، وكان يكره خروج  غياث الدين  إلى خراسان  ، فأحضره  غياث الدين  واستشاره ، فأشار بالكف عن قصدها ، وترك المسير إليها ، فأنكر عليه ذلك ، وأراد إبعاده عنه ، ثم تركه ، ووصل  شهاب الدين  في عساكره وعساكر سجستان  وغيرها في جمادى الأولى من هذه السنة ، فلما وصلوا إلى ميمنة  ، وهي قرية بين الطالقان  وكرزبان  ، وصل إلى  شهاب الدين  كتاب جقر مستحفظ مرو  ، يطلبه ليسلمها إليه ، فاستأذن أخاه  غياث الدين  فأذن له ، فسار إليها ، فخرج أهلها مع العسكر الخوارزمي وقاتلوه ، فأمر أصحابه بالحملة عليهم والجد في قتالهم ، فحملوا عليهم ، فأدخلوهم البلد ، وزحفوا بالفيلة إلى أن قاربوا السور ، فطلب أهل البلد الأمان ، فأمنهم وكف الناس عن التعرض إليهم ، وخرج   [ ص: 177 ] جقر  إلى  شهاب الدين  فوعده الجميل . 
ثم حضر  غياث الدين  إلى مرو  بعد فتحها ، فأخذ  جقر  وسيره إلى هراة  مكرما ، وسلم مرو  إلى  هندوخان بن ملكشاه بن خوارزم شاه تكش  ، وقد ذكرنا هربه من عمه  خوارزم شاه محمد بن تكش  إلى  غياث الدين  ، ووصاه بالإحسان إلى أهلها . 
ثم سار  غياث الدين  إلى مدينة سرخس  ، فأخذها صلحا ، وسلمها إلى الأمير  زنكي بن مسعود  ، وهو من أولاد عمه وأقطعه معها نسا  وأبيورد  ، ثم سار بالعساكر إلى طوس  ، فأراد الأمير الذي بها أن يمتنع فيها ولا يسلمها ، فأغلق باب البلاد ثلاثة أيام ، فبلغ الخبز ثلاثة أمناء بدينار ركني ، فضج أهل البلد عليه ، فأرسل إلى  غياث الدين  يطلب الأمان ، فأمنه ، فخرج إليه ، فخلع عليه وسيره إلى هراة  ، ولما ملكها أرسل إلى  علي شاه بن خوارزم شاه تكش  ، وهو نائب أخيه  علاء الدين محمد  بنيسابور  ، يأمره بمفارقة البلد ، ويحذره إن أقام سطوة أخيه  شهاب الدين     . وكان مع  علي شاه  عسكر من  خوارزم شاه  ، فاتفقوا على الامتناع من تسليم البلد ، وحصنوه ، وخربوا ما بظاهره من العمارة ، وقطعوا الأشجار . وسار  غياث الدين  إلى نيسابور  ، فوصل إليها أوائل رجب ، وتقدم عسكر أخيه  شهاب الدين  إلى القتال ، فلما رأى  غياث الدين  ذلك قال لولده  محمود     : قد سبقنا عسكر غزنة بفتح مرو  ، وهم يريدون أن يفتحوا نيسابور  ، فيحصلون بالاسم ، فاحمل إلى البلد . ولا ترجع حتى تصل إلى السور . فحمل ، وحمل معه وجوه الغورية ، فلم يردهم أحد من السور ، حتى أصعدوا علم  غياث الدين  إليه ، فلما رأى  شهاب الدين  علم أخيه على السور قال لأصحابه : اقصدوا بنا هذه الناحية واصعدوا السور من هاهنا ، وأشار إلى مكان فيه ، فسقط السور منهدما ، فضج الناس بالتكبير وذهل الخوارزميون وأهل البلد ، ودخل الغورية البلد ، وملكوه عنوة ونهبوه ساعة من نهار ، فبلغ الخبر إلى غياث الدين فأمر بالنداء : من نهب مالا أو آذى أحدا فدمه حلال ، فأعاد الناس ما نهبوه عن آخره . 
ولقد حدثني بعض أصدقائنا من التجار - وكان بنيسابور  في هذه الحادثة - : نهب من متاعي شيء من جملته سكر ، فلما سمع العسكر النداء ردوا جميع ما أخذوا مني ، وبقي لي بساط وشيء من السكر ، فرأيت السكر مع جماعة ، فطلبته منهم ، فقالوا : أما   [ ص: 178 ] السكر فأكلناه فنسألك ألا يسمع أحد ، وإن أردت ثمنه أعطيناك ، فقلت : أنتم في حل منه ، ولم يكن البساط مع أولئك ، ( قال : فمشيت إلى باب البلد مع النظارة ، فرأيت البساط ) الذي لي قد ألقي عند باب البلد لم يجسر أحد على أن يأخذه ، فأخذته وقلت : هذا لي فطلبوا مني من يشهد به ، فأحضرت من شهد لي وأخذته . 
ثم إن الخوارزميين تحصنوا بالجامع ، فأخرجهم أهل البلد ، فأخذهم الغورية ونهبوا مالهم ، وأخذ  علي شاه بن خوارزم شاه  ، وأحضر عند  غياث الدين  راجلا ، فأنكر ذلك على من أحضره ، وعظم الأمر فيه ، وحضرت داية كانت  لعلي شاه  ، وقالت  لغياث الدين     : أهكذا يفعل بأولاد الملوك ؟ فقال : لا ! بل هكذا ، وأخذ بيده ، وأقعده معه على السرير ، وطيب نفسه ، وسير جماعة الأمراء الخوارزمية إلى هراة  تحت الاستظهار ، وأحضر  غياث الدين  ابن عمه ، وصهره على ابنته ،  ضياء الدين محمد بن أبي علي الغوري  ، وولاه حرب خراسان  وخراجها ، ولقبه علاء الدين ، وجعل معه وجوه الغورية ، ورحل إلى هراة  ، وسلم عليا شاه إلى أخيه  شهاب الدين  ، وأحسن إلى أهل نيسابور  ، وفرق فيهم مالا كثيرا . 
ثم رحل بعده  شهاب الدين  إلى ناحية قهستان  ، فوصل إلى قرية ، فذكر له أن أهلها إسماعيلية  ، فأمر بقتل المقاتلة ، ونهب الأموال ، وسبي الذراري ، وخرب القرية فجعلها خاوية على عروشها ، ثم سار إلى كناباد  وهي من المدن التي جميع أهلها إسماعيلية  ، فنزل عليها وحصرها ، فأرسل صاحب قهستان  إلى  غياث الدين  يشكو أخاه  شهاب الدين  ، ويقول : بيننا عهد ، فما الذي بدا منا حتى تحاصر بلدي ؟ 
واشتد خوف الإسماعيلية  الذين بالمدينة من  شهاب الدين  ، فطلبوا الأمان ليخرجوا منها ، فأمنهم ، وأخرجهم وملك المدينة وسلمها إلى بعض الغورية ، فأقام بها الصلاة ، وشعار الإسلام ، ورحل  شهاب الدين  فنزل على حصن آخر للإسماعيلية  ، فوصل إليه رسول أخيه  غياث الدين  ، فقال الرسول : معي تقدم من السلطان ، فلا يجري حرد إن فعلته ؟ فقال : لا . فقال : إنه يقول لك ما لك ولرعيتي ، ارحل ، قال : لا أرحل ، قال : إذن أفعل ما أمرني قال : افعل ، فسل سيفه وقطع أطناب سرادق   [ ص: 179 ] شهاب الدين  ، وقال : ارحل بتقدم السلطان ، فرحل  شهاب الدين  والعسكر وهو كاره ، وسار إلى بلد الهند  ، ولم يقم بغزنة  غضبا لما فعله أخوه معه 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					