ذكر قتال  شهاب الدين الغوري  بني كوكر   
قد ذكرنا انهزام   شهاب الدين محمد بن سام الغوري  صاحب غزنة  من الخطا  الكفار ، وأن الخبر ظهر ببلاده وأنه عدم من المعركة ولم يقف أصحابه له على خبر ، فلما اشتهر هذا الخبر ثار المفسدون في أطراف البلاد ، وكان ممن أفسد دانيال  ، صاحب جبل الجودي  ، فإنه كان قد أسلم ، فلما بلغه الخبر ارتد عن الإسلام ، وتابع بني كوكر  ، وكان في جملة الخارجين عليه بنو كوكر  ، ومساكنهم في جبال بين لهاوور  والمولتان حصينة منيعة ، وكانوا قد أطاعوا  شهاب الدين  ، وحملوا له الخراج ، فلما بلغهم خبر عدمه ثاروا فيمن معهم من قبائلهم وعشائرهم ، وأطاعهم صاحب جبل الجودي  وغيره من القاطنين بتلك الجبال ، ومنعوا الطريق من لهاوور  وغيرها إلى غزنة    . 
فلما فرغ  شهاب الدين  من قتل مملوكه  أيبك باك     - وقد ذكرناه - أرسل إلى نائبه بلهاوور  والمولتان ، وهو  محمد بن أبي علي  يأمره بحمل المال لسنة ستمائة ، وسنة   [ ص: 212 ] إحدى وستمائة ، ليتجهز به لحرب الخطا  ، فأجاب أن أولاد كوكر  قد قطعوا الطريق ، ولا يمكنه إرسال المال ، وحضر جماعة من التجار ، وذكروا أن قفلا كبيرا أخذه أولاد كوكر  ، ولم ينج منه إلا القليل ، فأمر  شهاب الدين  مملوكه  أيبك     - مقدم عساكر الهند    - أن يراسل بني كوكر  يدعوهم إلى الطاعة ويتهددهم إن لم يجيبوا إلى ذلك ، ففعل ذلك ، فقال  ابن كوكر     : لأي معنى لم يرسل السلطان إلينا رسولا ؟ فقال له الرسول : وما قدركم أنتم حتى يرسل إليكم ، وإنما مملوكه يبصركم رشدكم ، ويهددكم . فقال  ابن كوكر     : لو كان  شهاب الدين  حيا لراسلنا ، وقد كنا ندفع الأموال إليه ، فحيث عدم فقل  لأيبك  يترك لنا لهاوور  وما والاها ، وفرشابور  ، ونحن نصالحه . فقال الرسول : أنفذ أنت جاسوسا تثق به فيأتيك بخبر  شهاب الدين  من فرشابور  ، فلم يصغ إلى قوله ، فرده ، فعاد وأخبر بما سمع ورأى ، فأمر  شهاب الدين  مملوكه  قطب الدين أيبك  بالعود إلى بلاده ، وجمع العساكر ، وقتال بني كوكر  ، فعاد إلى دهلي  ، وأمر عساكره بالاستعداد ، فأقام  شهاب الدين  في فرشابور  إلى نصف شعبان من سنة إحدى وستمائة ، ثم عاد إلى غزنة  فوصلها أول رمضان ، وأمر بالنداء في العساكر بالتجهز لقتال الخطا  ، وأن المسير يكون أول شوال ، فتجهزوا لذلك . 
فاتفق أن الشكايات كثرت من بني كوكر  وما يتعهدونه من إخافة السبل وأنهم قد أنفذوا شحنة إلى البلاد ، ووافقهم أكثر الهنود  ، وخرجوا من طاعة أمير لهاوور  والمولتان  وغيرهما . 
ووصل كتاب الوالي يذكر ما قد دهمه منهم ، وأن عماله قد أخرجهم بنو كوكر  ، وجبوا الخراج ، وأن ابن كوكر مقدمهم أرسل إليه ليترك له لهاوور والبلاد والفيلة ويقول أن يحضر  شهاب  وإلا قتله ، ويقول : إن لم يحضر  السلطان شهاب الدين  بنفسه ومعه العساكر وإلا خرجت البلاد من يده . 
وتحدث الناس بكثرة من معهم من الجموع ، وما لهم من القوة ، فتغير عزم  شهاب الدين  حينئذ عن غزو الخطا  ، وأخرج خيامه وسار عن غزنة  خامس ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة ، فلما سار وأبعد انقطعت أخباره عن الناس بغزنة  وفرشابور  ، حتى أرجف الناس بانهزامه . 
 [ ص: 213 ] وكان  شهاب الدين  لما سار عن فرشابور  أتاه خبر  ابن كوكر  أنه نازل في عساكره ما بين جيلم  وسودرة  ، فجد السير إليه ، فدهمه قبل الوقت الذي كان يقدر وصوله فيه ، فاقتتلوا قتالا شديدا يوم الخميس لخمس بقين من ربيع الآخر ، من بكرة إلى العصر ، واشتد القتال ، فبينما هم في القتال أقبل  قطب الدين أيبك  في عساكره ، فنادوا بشعار الإسلام ، وحملوا حملة صادقة ، فانهزم الكوكرية  ومن انضم إليهم وقتلوا بكل مكان ، وقصدوا أجمة هناك ، فاجتمعوا بها ، وأضرموا نارا ، فكان أحدهم يقول لصاحبه : لا تترك المسلمين يقتلونك ، ثم يلقي نفسه في النار فيلقي صاحبه نفسه بعده فيها ، فعمهم الفناء قتلا وحرقا ، ( فبعدا للقوم الظالمين    ) . 
وكان أهلهم وأموالهم معهم لم يفارقوها ، فغنم المسلمون منهم ما لم يسمع بمثله ، حتى إن المماليك كانوا يباعون كل خمسة بدينار ركني ونحوه ، وهرب  ابن كوكر  بعد أن قتل إخوته وأهله . 
وأما  ابن دانيال  ، صاحب جبل الجودي  ، فإنه جاء ليلا إلى  قطب الدين أيبك  ، فاستجار به ، فأجاره ، وشفع فيه إلى  شهاب الدين  ، فشفعه فيه ، وأخذ منه قلعة الجودي  ، فلما فرغ منهم سار نحو لهاوور  ليأمن أهلها ويسكن روعهم ، وأمر الناس بالرجوع إلى بلادهم والتجهز لحرب بلاد الخطا  ، وأقام  شهاب الدين  بلهاوور  إلى سادس عشر رجب ، وعاد نحو غزنة  ، وأرسل إلى  بهاء الدين سام  ، صاحب باميان  ، ليتجهز للمسير إلى سمرقند  ، ويعمل جسرا ليعبر هو وعساكره عليه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					