في هذه السنة قتل صبي صبيا آخر ببغداد ، وكانا يتعاشران ، وعمر كل واحد منهما يقارب عشرين سنة ، فقال أحدهما للآخر : الساعة أضربك بهذه السكين ، يمازحه بذلك ، وأهوى نحوه بها ، فدخلت في جوفه فمات ، فهرب القاتل ثم أخذ وأمر به ليقتل ، فلما أرادوا قتله طلب دواة [ وورقة ] بيضاء ، وكتب فيها من قوله :
قدمت على الكريم بغير زاد من الأعمال بالقلب السليم وسوء الظن أن تعتد زادا
إذا كان القدوم على كريم
[ الوفيات ]
وفيها ، في شوال ، أبو الحرم مكي بن ريان بن شبة النحوي [ ص: 251 ] المقرئ بالموصل ، وكان عارفا بالنحو واللغة والقراءات ، لم يكن في زمانه مثله ، وكان ضريرا ، وكان يعرف سوى هذه العلوم من الفقه والحساب وغير ذلك معرفة حسنة ، وكان من خيار عباد الله وصالحيهم ، كثير التواضع ، لا يزال الناس يشتغلون عليه من بكرة إلى الليل . مات شيخنا
[ ذكر عدة حوادث ]
وفيها فارق أمير الحاج مظفر الدين سنقر مملوك الخليفة المعروف بوجه السبع الحاج بموضع يقال له المرجوم ، ومضى في طائفة من أصحابه إلى الشام ، وسار الحاج ومعهم الجند ، فوصلوا سالمين ، ووصل هو إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، فأقطعه إقطاعا كثيرا بمصر ، وأقام عنده إلى أن عاد إلى بغداد سنة ثمان وستمائة في جمادى الأولى ، فإنه لما قبض الوزير أمن على نفسه ، وأرسل يطلب العود ، فأجيب إليه ، فلما وصل أكرمه الخليفة وأقطعه الكوفة .
[ الوفيات ]
وفيها ، في جمادى الآخرة ، أبو الفضل عبد المنعم بن عبد العزيز الإسكندراني ، المعروف بابن النطروني ، في مارستان توفي بغداد ، وكان قد مضى إلى المايورقي في رسالة بإفريقية ، فحصل له منه عشرة آلاف دينار مغربية ، فرقها جميعها في بلده على معارفه وأصدقائه ، وكان فاضلا خيرا - نعم الرجل ، رحمه الله - ، وله شعر حسن ، وكان قيما بعلم الأدب ، وأقام بالموصل مدة ، واشتغل على الشيخ أبي الحرم واجتمعت به كثيرا عنده .