ذكر قتل  ابن خرميل  وحصر هراة   
ثم إن  ابن خرميل     - صاحب هراة    - رأى سوء معاملة عسكر  خوارزم شاه  للرعية ، وتعديهم إلى الأموال ، فقبض عليهم وحبسهم ، وبعث رسولا إلى  خوارزم شاه  يعتذر ، ويعرفه ما صنعوا ، فعظم عليه ، ولم يمكنه محاقته لاشتغاله بقتال الخطا فكتب إليه يستحسن فعله ، ويأمره بإنفاذ الجند الذين قبض عليهم لحاجته إليهم ، وقال له : إنني قد أمرت  عز الدين جلدك بن طغرل     - صاحب الخام - أن يكون عندك لما أعلمه من عقله وحسن سيرته ، وأرسل إلى  جلدك  يأمره بالمسير إلى هراة  ، وأسر إليه أن يحتال في القبض على  حسين بن خرميل  ولو أول ساعة يلقاه . 
فسار  جلدك  في ألفي فارس - وكان أبوه  طغرل  أيام السلطان  سنجر  ، واليا بهراة  ، فهوى إليها بالأشواق يختارها على جميع خراسان    - ، فلما قارب هراة  أمر  ابن خرميل  الناس بالخروج لتلقيه ، وكان  للحسين  وزير يعرف  بخواجه الصاحب  ، وكان كبيرا قد حنكته التجارب ، فقال  لابن خرميل     : لا تخرج إلى لقائه ودعه يدخل إليك منفردا ، فإنني أخاف أن يغدر بك ، وأن يكون  خوارزم شاه  أمر بذلك . فقال : لا يجوز أن يقدم مثل هذا الأمير ولا ألتقيه ، وأخاف أن يضطغن ذلك علي  خوارزم شاه  ، وما أظنه يتجاسر علي . 
 [ ص: 254 ] فخرج إليه  الحسين بن خرميل  ، فلما بصر كل واحد منهما بصاحبه ترجل للالتقاء وكان  جلدك  قد أمر أصحابه بالقبض عليه ، فاختلطوا بهما ، وحالوا بين  ابن خرميل  وأصحابه ، وقبضوا عليه . فانهزم أصحابه ودخلوا المدينة وأخبروا الوزير بالحال ، فأمر بإغلاق الباب والطلوع إلى الأسوار ، واستعد للحصار ، ونزل  جلدك  على البلد ، وأرسل إلى الوزير يتهدده ، إن لم يسلم البلد ، بقتل  ابن خرميل  ، فنادى الوزير بشعار   غياث الدين محمود الغوري  ، وقال  لجلدك     : لا أسلم البلد إليك ، ولا إلى الغادر  ابن خرميل  ، وإنما هو  لغياث الدين  ، ولأبيه قبله . 
فقدموا  ابن خرميل  إلى السور ، فخاطب الوزير ، وأمره بالتسليم ، فلم يفعل ، فقتل  ابن خرميل  ، وهذه عاقبة الغدر ، فقد تقدم من أخباره عند  شهاب الدين الغوري  ما يدل على غدره ، وكفرانه الإحسان ممن أحسن إليه . 
فلما قتل  ابن خرميل  كتب  جلدك  إلى  خوارزم شاه  بجلية الحال ، فأنفذ  خوارزم شاه  إلى  كزلك خان     - والي نيسابور    - وإلى  أمين الدين أبي بكر     - صاحب زوزن    - يأمرهما بالمسير إلى هراة  وحصارها وأخذها ، فسارا في عشرة آلاف فارس ، فنزلوا على هراة  ، وراسلوا الوزير بالتسليم ، فلم يلتفت إليهم ، وقال : ليس لكم من المحل ما يسلم إليكم مثل هراة  ، لكن إذا وصل السلطان  خوارزم شاه  سلمتها إليه . فقاتلوه ، وجدوا في قتاله ، فلم يقدروا عليه . 
وكان  ابن خرميل  قد حصن هراة  ، وعمل لها أربعة أسوار محكمة ، وحفر خندقها ، وشحنها بالميرة ، فلما فرغ من كل ما أراد قال : بقيت أخاف على هذه المدينة شيئا واحدا ، وهو أن تسكر المياه التي لها أياما كثيرة ، ثم ترسل دفعة واحدة فتخرق أسوارها . فلما حصرها هؤلاء سمعوا قول  ابن خرميل  ، فسكروا المياه حتى اجتمعت كثيرا ، ثم أطلقوها على هراة  فأحاطت بها ولم تصل إلى السور لأن أرض المدينة مرتفعة ، فامتلأ الخندق ماء ، وصار حولها وحلا ، فانتقل العسكر عنهم ، ولم يمكنهم القتال لبعدهم عن المدينة . وهذا كان قصد  ابن خرميل     : أن يمتلئ الخندق ماء ،   [ ص: 255 ] ويمنع الوحل من القرب من المدينة ، فأقاموا مدة حتى نشف الماء ، فكان قول  ابن خرميل  من أحسن الحيل . 
ونعود إلى قتال  خوارزم شاه  الخطا  وأسره ، وأما  خوارزم شاه  فإنه دام القتال بينه وبين الخطا  ، ففي بعض الأيام اقتتلوا ، واشتد القتال ، ودام بينهم ، ثم انهزم المسلمون هزيمة قبيحة ، وأسر كثير منهم ، وقتل كثير . وكان من جملة الأسرى  خوارزم شاه  ، وأسر معه أمير كبير يقال له  فلان بن شهاب الدين [ مسعود     ] أسرهما رجل واحد . 
ووصلت العساكر الإسلامية إلى خوارزم  ، ولم يروا السلطان معهم ، فأرسلت أخت كزلك خان    - صاحب نيسابور    - وهو يحاصر هراة  ، وأعلمته الحال ، فلما أتاه الخبر سار عن هراة  ليلا إلى نيسابور  ، وأحس به الأمير  أمين الدين أبو بكر     - صاحب زوزن    - فأراد هو ومن عنده من الأمراء منعه ، مخافة أن يجري بينهم حرب يطمع بسببها أهل هراة  فيهم ، فيخرجون إليهم فيبلغون منهم ما يريدونه ، فأمسكوا عن معارضته . 
وكان  خوارزم شاه  قد خرب سور نيسابور  لما ملكها من الغورية ، فشرع  كزلك خان  يعمره ، وأدخل إليها الميرة ، واستكثر من الجند ، وعزم على الاستيلاء على خراسان  إن صح فقد السلطان . 
وبلغ خبر عدم السلطان إلى أخيه  علي شاه  وهو بطبرستان  ، فدعا إلى نفسه ، وقطع خطبة أخيه واستعد لطلب السلطنة ، واختلطت خراسان  اختلاطا عظيما . 
وأما السلطان  خوارزم شاه  فإنه لما أسر قال له  ابن شهاب الدين مسعود     : يجب أن تدع السلطنة في هذه الأيام ، وتصير خادما لعلي أحتال في خلاصك ، فشرع يخدم   ابن مسعود  ، ويقدم له الطعام ، ويخلعه ثيابه وخفه ، ويعظمه ، فقال الرجل الذي أسرهما   لابن مسعود     : أرى هذا الرجل يعظمك ، فمن أنت ؟ فقال : أنا فلان ، وهذا غلامي . فقام إليه وأكرمه ، وقال : لولا أن القوم عرفوا بمكانك عندي لأطلقتك ، ثم تركه أياما ، فقال له   ابن مسعود     : إني أخاف أن يرجع المنهزمون ، فلا يراني أهلي معهم فيظنون أني قتلت ، فيعملون العزاء والمأتم ، وتضيق صدورهم لذلك ثم   [ ص: 256 ] يقتسمون مالي فأهلك ، وأحب أن تقرر علي شيئا من المال حتى أحمله إليك ، فقرر عليه مالا ، وقال له : أريد أن تأمر رجلا عاقلا يذهب بكتابي إلى أهلي ويخبرهم بعافيتي ، ويحضر معه من يحمل المال . 
ثم قال : إن أصحابكم لا يعرفون أهلنا ، ولكن هذا غلامي أثق به ، ويصدقه أهلي فأذن له الخطائي بإنفاذه ، فسيره وأرسل معه الخطائي فرسا ، وعدة من الفرسان يحمونه ، فساروا حتى قاربوا خوارزم  ، وعاد الفرسان عن  خوارزم شاه  ، ووصل  خوارزم شاه  إلى خوارزم  ، فاستبشر به الناس وضربت البشائر وزينوا البلد ، وأتته الأخبار بما صنع كزلك بنيسابور  ، وبما صنع أخوه علي شاه بطبرستان    . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					