ذكر لأتابك سعد مع أولاده ما جرى
لما قتل أغلمش ، صاحب بلاد الجبل ; همذان وأصفهان وما بينهما من البلاد ، جمع أتابك سعد بن دكلا ، صاحب فارس ، عساكره وسار عن بلاده إلى أصفهان ، فملكها وأطاعه أهلها ، فطمع في تلك البلاد جميعها ، فسار عن أصفهان إلى الري ، فلما وصل إليها لقي عساكر خوارزم شاه قد وصلت ، كما ذكرناه ، فعزم على محاربة مقدمة العسكر ، فقاتلها حتى كاد يهزمها ، فظهرت عساكر خوارزم شاه ، ورأى الجتر ، فسقط في يده ، وألقى نفسه ، وضعفت قوته وقوة عسكره ، فولوا الأدبار ، وأخذ أتابك سعد أسيرا ، وأحضر بين يدي خوارزم شاه ، فأكرمه ، وطيب نفسه ، ووعده الإحسان ، واستصحبه معه ، إلى أن وصل إلى أصفهان ، فسيره منها إلى بلاده ، وهي تجاورها ، وسير معه عسكرا مع أمير كبير ليتسلم منه ما كان استقر بينهما ، فإنهما اتفقا على أن يكون لخوارزم شاه بعض البلاد ، ولأتابك سعد بعضها ، وتكون الخطبة لخوارزم شاه في البلاد جميعها .
وكان أتابك سعد قد استخلف ابنا له على البلاد ، فلما سمع الابن بأسر أبيه خطب لنفسه بالمملكة ، وقطع خطبة أبيه ، فلما وصل أبوه ومعه عسكر خوارزم [ ص: 302 ] شاه امتنع الابن من تسليم البلاد إلى أبيه ، وجمع العساكر ، وخرج يقاتله ، فلما تراءى الجمعان انحازت عساكر فارس إلى صاحبهم أتابك سعد ، وتركوا ابنه في خاصته ، فحمل على أبيه ، فلما رآه أبوه ظن أنه لم يعرفه ، فقال له : أنا فلان ! فقال : إياك أردت ، فحينئذ امتنع منه وولى الابن منهزما .
ووصل أتابك سعد إلى البلاد فدخلها مالكا لها وأخذ ابنه أسيرا ، فسجنه إلى الآن ، إلا أنني سمعت الآن ، وهو سنة عشرين وستمائة ، أنه قد خفف حبسه ، ووسع عليه .
ولما عاد خوارزم شاه إلى خراسان غدر سعد بالأمير الذي عنده فقتله ، ورجع عن طاعة خوارزم شاه ، واشتغل خوارزم شاه بالحادثة العظمى التي شغلته عن هذا وغيره ، ولكن الله انتقم له بابنه غياث الدين ، كما ذكرناه سنة عشرين وستمائة ، لأن سعدا كفر إحسان خوارزم شاه ، وكفر الإحسان عظيم العقوبة .