وأما بنو تميم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق فيهم عماله ، فكان الزبرقان منهم ، وسهل بن منجاب ، وقيس بن عاصم ، وصفوان بن صفوان ، وسبرة بن عمرو ، ووكيع بن مالك ، ومالك بن نويرة . صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو ، وأقام فلما وقع الخبر بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سار قيس بن عاصم ينظر ما الزبرقان صانع ليخالفه ، فقال حين أبطأ عليه الزبرقان في عمله : واويلتاه من ابن العكلية ! والله ما أدري ما أصنع ، لئن أنا بعثت بالصدقة إلى أبي بكر وبايعته ، لينحرن ما معه في بني سعد ، فيسودني عنده ، فقسمها على المقاعس والبطون ، ووافى الزبرقان فاتبع صفوان بن صفوان بصدقات عوف والأبناء ، وهذه بطون من تميم . ثم ندم قيس ، فلما أظله أخرج الصدقة فتلقاه بها ، ثم خرج معه وتشاغلت العلاء بن الحضرمي تميم بعضها ببعض .
[ ص: 210 ] وكان ثمامة بن أثال الحنفي تأتيه أمداد تميم ، فلما حدث هذا الحدث أضر ذلك بثمامة ، وكان مقاتلا لمسيلمة الكذاب ، حتى قدم عليه ، فبينما الناس عكرمة بن أبي جهل ببلاد تميم مسلمهم بإزاء من أراد الردة وارتاب - إذ جاءتهم سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان التميمية ، قد أقبلت من الجزيرة ، وادعت النبوة ، وكان ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة ، معها الهذيل بن عمران في بني تغلب ، وكان نصرانيا فترك دينه وتبعها ، وعقة بن هلال في النمر ، وتاد بن فلان في إياد ، والسليل بن قيس في شيبان ، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم .
وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر ، فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة ، فأجابها وردها عن غزوها ، وحملها على أحياء من بني تميم ، فأجابته وقالت : أنا امرأة من بني يربوع ، فإن كان ملك فهو لكم . وهرب منها عطارد بن حاجب ، وسادة بني مالك ، وحنظلة - إلى بني العنبر ، وكرهوا ما صنع ، وكان قد وادعها ، وهرب منها أشباههم من وكيع بني يربوع ، وكرهوا ما صنع مالك بن نويرة ، واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت : " أعدوا الركاب ، واستعدوا للنهاب ، ثم أغيروا على الرباب ، فليس دونهم حجاب " . فساروا إليهم ، فلقيهم ضبة وعبد مناة ، فقتل بينهم قتلى كثيرة ، وأسر بعضهم من بعض ، ثم تصالحوا ، وقال قيس بن عاصم شعرا ظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته .
ثم سارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النباج ، فأغار عليهم أوس بن خزيمة الهجيمي في بني عمرو ، فأسر الهذيل وعقة ، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ، ولا يطأ أرض أوس ومن معه .
ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة ، وقالت : عليكم باليمامه ، ودفوا دفيف الحمامه ، فإنها غزوة صرامه ، لا يلحقكم بعدها ملامه . فقصدت بني حنيفة ، فبلغ ذلك مسيلمة ، فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بن حسنة والقبائل التى حولهم على حجر ، وهي اليمامة ، فأهدى لها ، ثم أرسل يستأمنها على نفسه حتى يأتيها ، فآمنته ، فجاءها في أربعين من بني حنيفة ، فقال مسيلمة : لنا نصف الأرض ، وكان [ ص: 211 ] لقريش نصفها لو عدلت ، وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش .
وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء حتى يموت ذلك الولد ، فيطلب الولد حتى يصيب ابنا ثم يمسك .
وقيل : بل تحصن منها ، فقالت له : انزل ، فقال لها : أبعدي أصحابك . ففعلت ، وقد ضرب لها قبة وجمرها لتذكر بطيب الريح الجماع ، واجتمع بها ، فقالت له : ما أوحى إليك ربك ؟ فقال : ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى . أخرج منها نسمة تسعى ، بين صفاق وحشى ؟ قالت : وماذا أيضا ؟ قال : إن الله خلق النساء أفراجا ، وجعل الرجال لهن أزواجا ، فتولج فيهن قعسا إيلاجا ، ثم تخرجها إذ تشاء إخراجا ، فينتجن لنا سخالا إنتاجا . قالت : أشهد أنك نبي . قال : هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب ؟ قالت : نعم . قال :
ألا قومي إلى النيك فقد هيئ لك المضجع فإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع
قالت : بل به أجمع فإنه أجمع للشمل . قال : بذلك أوحي إلي . فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى قومها ، فقالوا لها : ما عندك ؟ قالت : كان على الحق فتبعته وتزوجته . قالوا : هل أصدقك شيئا ؟ قالت : لا . قالوا : فارجعي فاطلبي الصداق ، فرجعت . فلما رآها أغلق باب الحصن وقال : ما لك ؟ قالت : أصدقني . قال : من مؤذنك ؟ قالت : شبث بن ربعي الرياحي ، فدعاه وقال له : ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد : صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة . فانصرفت ومعها أصحابها ، منهم : عطارد بن حاجب ، وعمرو بن الأهتم ، [ ص: 212 ] وغيلان بن خرشة ، ، فقال وشبث بن ربعي عطارد بن حاجب :
أمست نبيتنا أنثى نطوف بها وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة ، سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف ، فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة ، وخلفت الهذيل وعقة وزيادا لأخذ النصف الباقي ، فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا .
فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة ، وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها ، وانتقلت إلى البصرة وماتت بها ، وصلى عليها وهو على سمرة بن جندب البصرة لمعاوية ، قبل قدوم من عبيد الله بن زياد خراسان وولايته البصرة .
وقيل : إنها لما قتل مسيلمة سارت إلى أخوالها تغلب بالجزيرة ، فماتت عندهم ولم يسمع لها بذكر .