ذكر وصول  جلال الدين بن خوارزم شاه  إلى خوزستان  والعراق     . 
في أول هذه السنة وصل  جلال الدين بن خوارزم شاه محمد بن تكش  إلى بلاد خوزستان  والعراق  ، وكان مجيئه من بلاد الهند    ; لأنه كان وصل إليها لما قصد التتر  غزنة ، وقد ذكرنا ذلك جميعه ، فلما تعذر عليه المقام ببلاد الهند  ، سار عنها على كرمان  ، ووصل إلى أصفهان  وهي بيد أخيه  غياث الدين  ، وقد تقدمت أخباره ، فملكها وسار عنها إلى بلاد فارس  ، وكان أخوه قد استولى على بعضها ، كما ذكرناه ، فأعاد ما كان أخوه أخذه منها إلى  أتابك سعد  صاحبها ، وصالحه وسار من عنده إلى خوزستان  ، فحصر مدينة تستر  في المحرم ، وبها الأمير  مظفر الدين  المعروف بوجه   [ ص: 389 ] السبع ، مملوك الخليفة  الناصر لدين الله  ، حافظا لها ، وأميرا عليها ، فحصره  جلال الدين  ، وضيق عليه ، فحفظها وجه السبع ، وبالغ في الحفظ والاحتياط ، وتفرق الخوارزمية ينهبون ، حتى وصلوا إلى بادرايا  وباكسايا  وغيرهما ، وانحدر بعضهم إلى ناحية البصرة  ، فنهبوا هنالك ، فسار إليهم شحنة البصرة  ، وهو الأمير ملتكين ، فسار إليهم فأوقع بهم ، وقتل منهم جماعة ، فدام الحصار نحو شهرين ، ثم رحل عنها بغتة . 
وكانت عساكر الخليفة ، مع مملوكه  جمال الدين  قشتمر ، بالقرب منه ، فلما رحل  جلال الدين  لم يقدر العسكر على منعه ، فسار إلى أن وصل إلى بعقوبا  ، وهي قرية مشهورة بطريق خراسان  ، بينها وبين بغداد  نحو سبعة فراسخ ، فلما وصل الخبر إلى بغداد  تجهزوا للحصار ، وأصلحوا السلاح من الجروخ ، والقسي والنشاب ، والنفط ، وغير ذلك ، وعاد عسكر الخليفة إلى بغداد    . 
وأما عسكر  جلال الدين  فنهب البلاد وأهلكها ، وكان قد وصل هو وعسكره إلى خوزستان  في ضر شديد وجهد جهيد ، وقلة من الدواب ، والذي معهم فهو من الضعف إلى حد لا ينتفع به ، فغنموا من البلاد جميعها واستغنوا ، وأكثروا من أخذ الخيل والبغال ، فإنهم كانوا في غاية الحاجة إليها . 
وسار من بعقوبا  إلى دقوقا  فحصرها ، فصعد أهلها إلى  السور   وقاتلوه ، وسبوه ، وأكثروا من التكبير ، فعظم ذلك عنده وشق عليه ، وجد في قتالهم ، ففتحها عنوة وقهرا ، ونهبتها عساكره ، وقتلوا كثيرا من أهلها ، فهرب من سلم منهم من القتل وتفرقوا في البلاد . 
ولما كان الخوارزميون على دقوقا  ، سارت سرية منهم إلى البت  والراذان  ، فهرب أهلها إلى تكريت  ، فتبعهم الخوارزمية ، فجرى بينهم وبين عسكر تكريت  وقعة شديدة ، فعادوا إلى العسكر . 
ولقد رأيت بعض أعيان أهل دقوقا   وهم بنو يعلى  ، وهم أغنياء ، فنهبوا ، وسلم   [ ص: 390 ] أحدهم ، ومعه ولدان له ، وشيء يسير من المال ، فسير ما سلم معه إلى الشام  مع الولدين ليتجر بما ينتفعون به وينفقونه على نفوسهم ، فمات أحد الولدين بدمشق  ، واحتاط الحاكم على ما معهم ، فلقد رأيت أباهم على حالة شديدة لا يعلمها إلا الله ، يقول : أخذت الأموال والأملاك ، وقتل بعض الأهل ، وفارق من سلم منهم الوطن بهذا القدر الحقير ، أردنا [ أن ] نكف به وجوهنا من السؤال ، ونصون أنفسنا ، فقد ذهب الولد والمال . 
ثم سار إلى دمشق  ليأخذ ما سلم مع ابنه الآخر ، فأخذه وعاد إلى الموصل  ، فلم يبق غير شهر حتى توفي ، إن الشقي بكل حبل يخنق . 
وأما  جلال الدين  فإنه لما فعل بأهل دقوقا   ما فعل ، خافه أهل البوازيج ، وهي لصاحب الموصل  ، فأرسلوا إليه يطلبون منه إرسال شحنة إليهم يحميهم ، وبذلوا له شيئا من المال ، فأجابهم إلى ذلك ، وسير إليهم من يحميهم ، قيل : كان بعض أولاد   جنكزخان  ملك التتر  ، أسره  جلال الدين  في بعض حروبه مع التتر  ، فأكرمه ، فحماهم ، وأقام بمكانه إلى أواخر ربيع الآخر ، والرسل مترددة بينه وبين  مظفر الدين  صاحب إربل  ، فاصطلحوا ، فسار  جلال الدين  إلى أذربيجان  ، وفي مدة مقام  جلال الدين  بخوزستان  والعراق  ثارت العرب بالبلاد يقطعون الطريق ، وينهبون القرى ، ويخيفون السبيل ، فنال الخلق منهم أذى شديد ، وأخذوا في طريق العراق  قفلين عظيمين كانا سائرين إلى الموصل  ، فلم يسلم منهما شيء ألبتة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					